facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




إذا كان يجب أن أموت


عامر طهبوب
10-12-2023 04:58 PM

علمتنا غزة ما لم نتعلمه في مدارسنا، وجامعاتنا، وحياتنا بطولها وعرضها، علمتنا أننا لسنا أرقاماً، وأول من عملنا الدرس أستاذ جامعي غزي، وشاعر اسمه رفعت العرعير، حوصر في بيته، وقال إن جنود الاحتلال لو دقوا باب بيتي، سأقذفهم بقلمي ولو كان هذا آخر شئ أفعله في حياتي، والقلم سلاح أديب ولد في مخيم الشجاعية عام 1979، وحصل على الماجستير في كلية لندن، والدكتوراة في الأدب الإنجليزي في جامعة بوترا الماليزية، وبدأ بتدريس الكتابة الإبداعية والأدب العالمي.

لرفعت مؤلفين: "غزة تكتب مرة أخرى" عام 2014، و"غزة مكتومة" عام 2015. كانت غزة آنذاك محاصرة، رآها رفعت مكتومة، وعندما جاء العدوان الأخير، قال رفعت: نحن نتضور جوعاً، ومحاصرون، ونهجّر، وإسرائيل ستقتلنا، وستختار قتلنا عندما تريد قتلنا، ذن فلماذا لا نقاوم، ونموت بكرامة.

ارتقى العرعير صباح الجمعة السابع من ديسمبر الحالي في قصف استهدف منزل شقيقته، واستشهدت الشقيقة أيضاً، وأربعة من أطفالها، ولم يكن من الممكن لرجل مثلي أن يمر عن حكاية رفعت العرعير دون أن أروي الحكاية، ودون أن أجلب الأمل، وأن أتبع مدرسته الإبداعية يوم قال: إن كان يجب أن أموت، فيجب أن تعيش لتروي قصتي، لتبيع أشيائي، لتشتري قطعة من القماش، وبعض الخيوط، ولتكن بيضاء. إن كان يجب أن أموت، فيجب أن يجلب موتي أملاً، وليكن موتي حكاية.

علمتنا غزة ما لم نتعلمه في حياتنا، والدرس الأول في الموت، أن يقابله حياة، وأن يبعث الموت في النفس الحيّة أملاً، وأذكر فيلما - نسيت اسمه - لعب فيه "أنطون كوين" دور الجد في أحد حقول العنب الفرنسية، ويتعرض بستان العنب الذي يحتوي على أفخر الأنواع من عائلات الدوالي المحببة إلى حريق كبير، وفي ظل كل الخراب الذي حل بالحقل، راح الجد يبحث في التربة عن جذر حي، وسرعان ما عاد إلى الأسرة وهو في قمة البهجة والنشوة، كل ما حمله بيده جذر دالية كان كفيلاً بإعادة البستان بعد سنوات قليلة إلى حاله التي كان عليها من الإثمار والخضرة.

حكايات الحياة التي يصنعها الموت، ستبعث الحياة في غزة من جديد، المهم أن يبقى الجذر حياً، أن لا تتحقق الإبادة المطلقة، وهي لن تتحقق، وكما عادت ستالينغراد - فولغوغراد اليوم - التي شهدت حرباً دامت ستة أشهر، وليننغراد - سان بطرسبرغ اليوم - وبرلين التي شهدت عام 1945 واحدة من أكثر المعارك الدموية في التاريخ، وروتردام التي شهدت أعتى قصف نازي عام 1940، ستعود غزة، الفارق في غزة، أن غزة لا تستسلم، وأن المقاومة فيها لم تتعلم معاني الاستسلام، ففي غزة مفهوم آخر للمجابهة مع العدو: نصر أو استشهاد، وذلك ما يحدث في غزة فرقاً.

واشنطن تفتح مصانع سلاحها ومخازن عتادها لإسرائيل، ودخلت شريكاً رئيسياً في العدوان، وكالعادة تجر خلفها تابعتها بريطانيا، وغزة مدينة، وليست قوة عظمى، تجابه إسرائيل وحلفاء إسرائيل من القوى العظمى الباغية، وتدور حرباً بين محلي الصنع والمستورد، وبين تكنولوجيا ورش الحدادة، ومصانع أسلحة مرعبة ضخمة، بين الياسين 105، و"إف 35"، وعبوة العمل الفدائي، ودبابة "الميركافا"، لا تكافؤ قط، لكن أهل الأرض لا يبيعوا الأرض، ولا يتركوا الغازي يستقر على أرضهم.

علمتنا المقاومة في غزة "تكتيك الاحتضان" لآليات العدو وجنده، وعلمتنا فن نصب المصائد، ووسائل الاستدراج، وقيمة الصبر، وفن الانتقاء: "هذه جرافة سيبك منها"، وعلمتنا أن الموت أحد عناوين الحياة، وأن القوة بالإرادة، وأن التفوق بالصلابة والإيمان، وأنه ما حكّ جلدك مثل ظفرك، والأهم من كل ذلك، أنه إذا كان يجب أن أموت، فيجب عليك أن تبقى، لتكتب حكايتي، لترويها، وتشتري لي قطعة قماش بيضاء، تلف فيها جسدي، وأن تكتب، وتبعث الأمل في نفوس الأحياء. علمتنا غزة الدرس الأعظم، الموت أو الوطن، فكل غزي جيفارا، وكل غزية فاطمة، وكل طفل حنظلة، والجذر حي.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :