facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




السلطة الزمنية في مواجهة وعد الصالحين


أ. د. هاني الضمور
20-12-2024 11:29 AM

في عالم يضج بالتقلبات السياسية والاقتصادية، تبرز إشكالية السلطة الزمنية كواحدة من أبرز مظاهر الصراع بين المصالح البشرية والغايات الأخلاقية. السلطة الزمنية، بما تحمله من قوة وتأثير، قد تتحول إلى أداة لإشباع الشهوات والرغبات المادية، مما يؤدي إلى الانحراف عن القيم الإلهية. هذا الانحراف لا يُنظر إليه فقط كخلل أخلاقي، بل كظاهرة حضارية تمثل تحديًا للإنسانية في كافة العصور.

القرآن الكريم قدم تصورًا عميقًا لهذه الظاهرة، محذرًا من سيطرة الشهوات على أصحاب السلطة. يقول الله تعالى: “أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم” (الجاثية: 23). هذه الآية تعكس مأزقًا متكررًا في تاريخ البشرية، حيث يصبح الهوى هو المُوجه الفعلي للقرارات، مما يؤدي إلى ضياع الحقوق وانتشار الظلم. وفي ظل هذه التحذيرات، نجد وعدًا قرآنيًا آخر يُطمئن المؤمنين بأن الأرض في النهاية لن تبقى في قبضة الظالمين أو الطغاة، بل سيؤول مصيرها إلى عباد الله الصالحين.

في خضم الأزمات المعاصرة، حيث تسود الهيمنة الاقتصادية وتتصاعد الحروب والصراعات، تعيدنا آية: “ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون” (الأنبياء: 105)، إلى منظور أوسع وأعمق. هذه الآية تشكل رؤية سماوية تتحدى النظرة الضيقة للحاضر، مؤكدة أن الصلاح والعمل الصالح هما الطريق الوحيد لاستحقاق الأرض.

السلطة الزمنية التي تتسم بالظلم والانحراف ليست سوى مرحلة مؤقتة، تنتهي كما انتهت من قبلها حضارات وأنظمة ظالمة. هذا ليس مجرد تحليل فلسفي، بل واقع يتجلى في التاريخ البشري. ومع ذلك، لا يُطلب من المؤمن أن ينتظر زوال الظلم بسلبية، بل أن يعمل بجد لتحقيق العدل والإصلاح. يقول الله تعالى: “وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض” (النور: 55). هنا، يربط القرآن بين الإيمان والعمل الصالح كشرط لتحقيق التمكين في الأرض، وهو تمكين يتجاوز المعايير الزمنية إلى قيم أبدية لا تخضع للتحولات العابرة.

عندما نتأمل العالم اليوم، نجد مظاهر السلطة الزمنية المهيمنة في السياسة التي تستغل الشعوب لتحقيق مكاسب ذاتية، وفي الاقتصاد الذي يغلب فيه الاستغلال على العدالة، وفي الإعلام الذي يروج للشهوات ويُغيب القيم. ومع ذلك، يظل الإيمان بوعد الله حاضرًا كمرجع ملهم للمقاومة والعمل، وكمنارة تُنير طريق الإصلاح.

إن قراءة هذا الوعد الإلهي في ضوء التحولات العالمية تمنحنا الأمل وتدعونا للعمل من أجل بناء عالم أفضل. هذا الوعد لا يُلغي الألم والمعاناة التي تصاحب الظلم، ولكنه يضعها في سياق أكبر. يقول الله تعالى: “ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون” (إبراهيم: 42). هذه الطمأنينة لا تعني فقط انتظار يوم الحساب، بل تدعو الإنسان إلى الإسهام في تعجيل تحقق العدل في الحاضر من خلال العمل الصالح.

في نهاية المطاف، تلتقي السلطة الزمنية مع وعد الصالحين عند مفترق طرق حاسم. الأولى قد تغوي الإنسان بالزهو والهيمنة، لكنها لا تملك الاستدامة، بينما الثاني يدعو إلى العمل وفق منهج الله، ليكون الصلاح عنوان الأرض ومن عليها. يبقى الإيمان بأن العدالة ستسود وأن الصالحين سيرثون الأرض وعدًا إلهيًا يعيد تشكيل نظرتنا للحياة، ويمنحنا الأمل في خضم هذا الاضطراب العالمي.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :