ترسيخ ثقافة ترشيد المياه يبدأ من الطفولة
د. أحلام ناصر
24-01-2025 06:17 PM
يُعد الأردن ثاني أكثر دول العالم فقراً في مصادر المياه، حيث لا تتجاوز موارد المياه المتجددة فيه 100 متر مكعب للفرد سنويًا، وهو ما يقل بكثير عن المعدل العالمي البالغ 500 متر مكعب، ما يعكس نقصًا حادًا في المياه، اضافة الى أن 86% فقط من السكان مرتبطون بشبكات المياه. كما انه في المناطق الحضرية، يتم تزويد المياه مرة واحدة أسبوعيًا، وأقل من مرة كل أسبوعين في المناطق الريفية، مع تفاقم الوضع خلال الصيف، وتزداد هذه التحديات نتيجة ارتفاع الطلب على المياه الناتج عن النمو السكاني المتزايد، والأنشطة الصناعية والزراعية. فيما تشير عمليات مراقبة طويلة الأمد للمياه الجوفية إلى تراجع ملحوظ في مستوياتها، حيث تنخفض بأكثر من عشرة أمتار سنويًا في بعض الطبقات الجوفية الرئيسية. وتزيد مشكلة "المياه التي لا تدر دخلاً" والتي تشمل تسرب المياه، والوصول غير القانوني للشبكات، وخسائر العدادات بنسبة تصل إلى 52%، من تعقيد الأزمة (اليونيسف) ويُتوقع أن يُفاقم التغير المناخي من حيث الارتفاع المتزايد على درجات الحرارة وتباين هطول الامطار هذه المشكلة، في ظل هذه التحديات، يُصبح تثقيف الأطفال حول ترشيد استهلاك المياه ضرورة حتمية، حيث يُمثل الاستثمار في وعي الأجيال الناشئة خطوة جوهرية نحو التخفيف من حدة هذه الأزمة وضمان استدامة الموارد المائية.
ان تعليم الأطفال السلوكيات الإيجابية منذ البداية يُفسر من خلال نظرية التعلم الاجتماعي للعالم ألبرت باندورا، التي تؤكد أن الأطفال يكتسبون السلوكيات من خلال مراقبة وتقليد من حولهم، كما ان نظرية التغيير السلوكي توضح أن توفير بيئة داعمة وتعزيز الوعي يمكن أن يُحدث تغييرًا تدريجيًا ودائمًا في عادات الأطفال. لذا تلعب الأسرة دورًا محوريًا في غرس قيم ترشيد استهلاك المياه لدى الأطفال، فهي البيئة الأولى التي يكتسب منها الطفل سلوكياته. عندما يشاهد الطفل أفراد أسرته يحرصون على إغلاق حنفية المياه أثناء تنظيف الأسنان والاستحمام أو يستخدمون المياه بكميات معقولة في الأنشطة اليومية، يكتسب الطفل هذه الممارسات بصورة طبيعية. يمكن للأسر أن تعزز هذا السلوك من خلال الحوار المستمر مع الأطفال حول أهمية المياه وضرورة الحفاظ عليها، وتشجيعهم على مراقبة استهلاكهم اليومي وتقديم مكافآت تشجيعية عند اتباعهم لسلوكيات الترشيد. هذا التفاعل الإيجابي يسهم في بناء وعي بيئي مبكر لدى الأجيال الناشئة.
كما ان للمدرسة دورًا تعليميًا وتربويًا أساسيًا في تعزيز وعي الأطفال. من خلال تضمين المناهج والنشاطات المدرسية لمفهوم الاقتصاد في استهلاك المياه، وربطها بمشكلات بيئية حقيقية. على سبيل المثال، يمكن للمدارس تنظيم أنشطة عملية مثل زراعة النباتات باستخدام الري بالتنقيط لتوضيح أهمية استخدام المياه بكفاءة. كما أن إشراك الطلاب في حملات ترشيد المياه داخل المدرسة، مثل إصلاح حنفيات ومواسير المياه التي تشكل مصدرا لتسرب المياة، يعزز إحساسهم بالمسؤولية.
اضافة الى دور المجتمع والذي لا يقل أهمية عن الأسرة والمدرسة. يمكن لمنظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية تنظيم حملات توعوية تستهدف الأطفال وأسرهم. كما أن توفير البنية التحتية اللازمة لتشجيع الاقتصاد في استخدام المياه، مثل تركيب حنفيات مياه موفرة في الأماكن العامة، يُعد جزءًا من المسؤولية المجتمعية. من جهة أخرى، تُعد وسائل الإعلام منصة فعالة لنشر رسائل توعوية من خلال برامج ومسلسلات موجهة للأطفال. وعكس تجارب حققت نجاحات في ترشيد استهلال المياة على سبيل المثال سنغافورة، تُعد سياسة ترشيد المياه جزءًا أساسيًا من ثقافة المجتمع، حيث يتم تعليم الأطفال منذ الصغر أهمية استخدام المياه بحكمة من خلال المناهج الدراسية والأنشطة التفاعلية. كما طورت الحكومة تطبيقات ذكية تتيح للأسر مراقبة استهلاك المياه وتعليم الأطفال كيفية تقليل الهدر.
وكذلك أستراليا، التي تعاني من موجات جفاف متكررة، فقد اعتمدت برامج تعليمية تستهدف المدارس، تُعرف باسم "Waterwise Schools"، حيث يتعلم الطلاب تقنيات مبتكرة لترشيد المياه مثل إعادة استخدام مياه الأمطار.
في الختام، إن توعية الأطفال منذ نشأتهم وتعليمهم ادوات الاقتصاد في استهلاك المياه يُعد واجبًا مشتركًا بين الأسرة، والمجتمع، والمدرسة والاعلام. ومع التحديات البيئية المتزايدة، يصبح هذا الدور أكثر أهمية. كما من المهم الاشارة هنا الى اهمية تكاتف الجهود واستخدام تجارب الدول الناجحة كأساس للتعلم، يُمَكِننا ضمان مستقبل أفضل وأكثر استدامة للأجيال القادمة.