facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تجارة الوهم .. "دكتوراه للبيع"


د. أشرف الراعي
31-01-2025 08:34 PM

لا يكاد يمر يوم دون أن تصلني رسائل من مراكز “غير مرخصة” في إحدى الدول العربية، تعرض عليّ شراء “دكتوراه مهنية” من مؤسسات أجنبية مجهولة المصدر، لا يُعرف لها أي سجل أكاديمي موثوق، والمثير للسخرية أنني، كحامل لدكتوراه رسمية من جامعة أردنية معتمدة، أجد نفسي مستهدفاً من قبل هذه الجهات، التي يبدو أنها لا تكترث لمن هم بالفعل مؤهلون أكاديمياً، بل تهدف فقط إلى إقناع أكبر عدد ممكن من الأشخاص بشراء الشهادة، وكأنها سلعة رخيصة.

هذه المؤسسات تدّعي أن شهاداتها “معتمدة دولياً” و”تؤهلك للحصول على اللقب بسهولة”، بل وتوهم ضحاياها بأنها تعفيهم من متطلبات البحث الأكاديمي والدراسة، مكتفية بتقييم “الخبرات المهنية”، وكأن الشهادات العليا لا تعدو كونها مكافأة على سنوات العمل، لا نتيجة اجتهاد أكاديمي وتحقيق علمي.

والدافع وراء ذهاب الكثيرين نحو هذه الشهادات، أن الألقاب الأكاديمية تحظى بمكانة مرموقة في مجتمعاتنا العربية؛ إذ ينظر كثيرون إلى لقب “دكتور” بوصفه رمزاً للعلم والثقافة والتفوق، بل وحتى وجاهة اجتماعية تفتح لحاملها أبواب الاحترام والتقدير، لكن هذه المكانة المرموقة جعلت اللقب مطمعاً للبعض، ليس من باب السعي للعلم والمعرفة، بل كوسيلة للحصول على الهيبة الاجتماعية أو الترقية الوظيفية السريعة، وفي ظل هذا "الهوس المتزايد"، وجدت جهات مشبوهة الفرصة لاستغلال شغف البعض بالألقاب، فتحولت الشهادات الأكاديمية إلى “بضاعة معلبة” تُباع في السوق السوداء، بلا دراسة أو جهد أو بحث علمي.

إن انتشار هذه الظاهرة الخطيرة لم يكن ليحدث لولا مجموعة من العوامل التي ساهمت في خلق بيئة خصبة لنموها واستمرارها، ومن أبرزها غياب الرقابة الصارمة؛ ففي بعض الدول، لا توجد آليات رقابة قوية على المؤسسات التي تدّعي منح شهادات أكاديمية، مما يسمح لهذه المراكز بالعمل بلا خوف من المساءلة، بل وتوسيع نطاق استهدافها لضحايا جدد، فضلا عن سهولة التسويق عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.

كما أن بعض الشركات والمؤسسات، لا تتحقق بدقة من صحة الشهادات المقدمة عند التوظيف، مما يسمح لحاملي هذه الشهادات المزيفة بشغل مناصب عليا، ويُشجع آخرين على سلوك الطريق نفسه، وهو ما يضر بالجامعات الحقيقية التي قد تتأثر بانتشار هذه الشهادات، حيث يبدأ الناس في التشكيك في كل حملة الدكتوراه، حتى أولئك الذين حصلوا على شهاداتهم بطرق مشروعة.

ولمواجهة هذه الآفة فلا بد جدياً من تعزيز الوعي العام بخطورة ذلك وتشديد العقوبات على من يقومون بهذه الأفعال "غير القانونية" ووضع تشريعات صارمة لمواجهة مؤسسات بيع الوهم وإعادة الاعتبار للدرجات العلمية الحقيقية؛ فتجارة الشهادات الوهمية ليست مجرد عملية احتيال فردية، بل هي خطر حقيقي يُهدد التعليم، وسوق العمل، والمجتمع بأسره.

والدكتوراه ليست ورقة تُشترى، بل هي نتيجة سنوات من البحث والتعب، ومن يعتقد أن اللقب وحده قادر على منحه مكانة علمية أو اجتماعية فهو واهم؛ إذ علينا جميعاً، كأفراد ومؤسسات، أن نقف ضد هذه الظاهرة، حتى نحافظ على قيمة العلم ونحمي الأجيال القادمة من الوقوع في فخ “الوهم الأكاديمي”.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :