العمل التطوعي: مسؤولية وطنية ودعوة لتنظيم خطة استراتيجية
أ. د. هاني الضمور
04-02-2025 11:03 AM
العمل التطوعي في الأردن هو انعكاس للروح الوطنية والمسؤولية الاجتماعية، وهو وسيلة رئيسية لمواجهة التحديات التي يمر بها الوطن وتعزيز روح التعاون والتكافل بين أفراده.
لقد أثبت العمل التطوعي دوره المحوري في دعم التنمية المستدامة، حيث أصبح ركيزة أساسية في التعامل مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الأردن، مثل الفقر والبطالة وتزايد الضغط على الموارد. ومع ذلك، فإن الجهود التطوعية لا يمكن أن تحقق أقصى تأثير لها ما لم تكن منظمة وموجهة نحو أهداف واضحة، ما يدعو إلى وضع خطة استراتيجية وطنية شاملة تعزز هذا الدور وتضمن استدامته.
في الأردن، يحمل الشباب على عاتقهم مسؤولية كبيرة في إنجاح العمل التطوعي. بفضل طاقاتهم وحماستهم، يستطيعون المساهمة بشكل كبير في تحسين المجتمع، لكن الطاقة وحدها لا تكفي لتحقيق النتائج المرجوة. من هنا تبرز الحاجة إلى تنظيم هذه الجهود ضمن إطار وطني متكامل. مبادرات مثل “نحن”، التي أُطلقت بتوجيه من مؤسسة ولي العهد، جاءت لتسد فجوة كبيرة في توحيد وتنظيم العمل التطوعي، حيث أصبحت منصة تجمع الشباب وتوجههم نحو فرص تطوعية ذات أثر واضح ومباشر في المجتمع. ومع ذلك، ما زال هناك الكثير الذي يمكن تحقيقه إذا تم وضع خطة استراتيجية وطنية تُحدد الأولويات الوطنية وتنظم الجهود التطوعية بشكل أكثر فعالية.
الجامعات هي إحدى المؤسسات القادرة على لعب دور محوري في تعزيز ثقافة العمل التطوعي المنظم. فهي ليست مجرد مكان لنقل المعرفة الأكاديمية، بل هي أيضًا مساحة لتشكيل وعي الشباب وتعزيز القيم الإنسانية والوطنية. من خلال إدماج العمل التطوعي في المناهج الدراسية وتشجيع الطلاب على المشاركة في الأنشطة المجتمعية، يمكن للجامعات أن تكون رافدًا قويًا للمبادرات التطوعية. إنشاء مكاتب متخصصة للعمل التطوعي داخل الجامعات، وتطوير شراكات مع المؤسسات الوطنية والمحلية، سيمثل خطوة كبيرة نحو تعزيز تنظيم العمل التطوعي وإكساب الطلاب مهارات قيادية وحياتية تسهم في تطوير شخصياتهم وخدمة مجتمعاتهم.
إن القيادة الأردنية، وعلى رأسها سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، أدركت مبكرًا أهمية العمل التطوعي كوسيلة لتعزيز التنمية وبناء مجتمع متماسك. دعم سمو الأمير المباشر لمبادرات مثل “نحن” وبرنامج “حقق”، ليس مجرد دعم رمزي، بل هو التزام عملي بتعزيز دور الشباب وتمكينهم من المساهمة في مسيرة البناء الوطني. رؤية الأمير الحسين، القائمة على تمكين الشباب وتنظيم الجهود التطوعية، هي قدوة ملهمة لجميع القطاعات في الأردن للسير على نفس النهج والعمل معًا لتحقيق الأهداف الوطنية.
الأولويات الوطنية للعمل التطوعي يجب أن تكون واضحة وموجهة نحو معالجة القضايا الأكثر إلحاحًا. التعليم في المناطق الأقل حظًا، الرعاية الصحية المجتمعية، حماية البيئة، وتمكين المرأة والشباب، كلها مجالات بحاجة إلى دعم تطوعي منظم ومستدام. العمل على تحسين بيئة التعليم، توفير الرعاية الصحية الأولية، تنظيم حملات للحفاظ على البيئة، ودعم الفئات المهمشة اقتصاديًا واجتماعيًا، كلها خطوات ستُحدث فارقًا ملموسًا في المجتمع.
العمل التطوعي في الأردن ليس فقط واجبًا وطنيًا، بل هو وسيلة لبناء مجتمع أقوى وأكثر تماسكًا. الدعوة اليوم هي لتنظيم هذه الجهود ضمن إطار خطة استراتيجية وطنية تُعزز من دور الشباب والجامعات والقيادة في النهوض بهذا القطاع الحيوي. مع التكاتف والعمل المشترك، يمكننا تحويل العمل التطوعي إلى أسلوب حياة يعكس عطاءنا لوطننا وحرصنا على مستقبله. فلتكن هذه الدعوة بداية لرؤية جديدة، حيث يلتقي الحماس بالتخطيط، والطموح بالعمل، لبناء أردن أفضل ومستقبل أكثر إشراقًا.