حظيت أرض الأردن بمكانة خاصّة في الكتاب المقدس و نسجت على أرضه قصصًا و حكايا و تفاصيل اساسية , ففي العهد القديم " التوراة " ذكرت هذه الجغرافيا (272 مرّة ) أمّا في العهد الجديد (بعد ميلاد المسيح يسوع , ذكرت 125 مرّة ) , لذلك الاردن ليس طارئا على المسيحية بل هو جزء أصيل منها و ركيزة اساسية لتفاصيل هامّة استندت عليها الديانة المسيحية منذ فجرها إلى اليوم.
منذ اللحظة التي تعمّد بها المسيح يسوع في نهر الأردن (المغطس ) على يد يوحنا المعمدان ( يحيى بن زكريا ) بدأت حكاية هذه الارض مع المسيحية كدين و مُعتقد، انتشرت الديانة الجديدة بدايةً على شكل مجموعات و مجتمعات صغيرة من أم الجمال إلى اربد إلى مادبا ثم الجنوب , ظلت هذه المجتمعات تواجه سلطة الدولة الرومانية إلى اللحظة التي دخلت بها هذه الامبراطورية في الديانة المسيحية على يد الإمبراطور قسطنطين الأول( عام324 ) عندها خرج من يعتنق الدين المسيحي من براثن الأيمان في السر إلى العلن و بدأت الكنائس السرية تخرج إلى النور، ازدهر العمران و تنامت المجتمعات.
المسيحيين الأردنيين
المسيحيون الأردنيون هم من أقدم المجتمعات المسيحية في العالم، و في نظرة عامّة للاقليم و المحيط، قد يكون المجتمع المسيحي الأردني من اكثر المجتمعات راحة في الشرق الاوسط مقارنة مع مجتمعات مسيحية في دول اخرى عانت من الاضطهاد و التمييز و حتى القتل وتفجير الكنائس، فبفضل قيادة هاشمية حكيمة وشعب واعٍ و محبّ للتنوع " تعشّقت " المجتمعات المسيحية مع تلك الاسلامية في تناغم قلّ نظيره في العالم العربي، فمن يزر الكرك أو السلط أو مادبا و الكثير من المحافظات و القرى الاردنية يكاد لا يستطيع التفريق بين المسيحي والمسلم، و في الذاكرة الشعبية لدى الشعب الاردنيّ حكايا كثيرة تعبّر في لبّها عن صحيّة هذه العلاقة ومدى تماسكها.
الأرث المسيحي على أرض الاردن
لطالما اثرى الأرث المسيحي من تاريخ و ثقافة و حضارة و مُنتج أثري كالكنائس الاثرية و الارضيات الفسيفسائية الهوية الاردنية ووضعها على الخارطة السياحية و الاثرية العالمية , فمدينة مادبا مثلا (عاصمة السياحة و الفسيفساء ) يتوافد إليها السياح من شتى بقاع العالم لالقاء نظرة على الخارطة الاثرية في كنيسة القديس جاورجيوس و التي تصف ما يقارب من 150 موقعا في المنطقة وخصوصا على ضفتي نهر الأردن برسم فسيفسائي يزيد عمره عن عشرات القرون .
رعاية جلالة الملك عبدالله الثاني للاردن و تسويقه سياحيا في العالم تجلّى مؤخرا عبر اطلاق معرض "الأردن: فجر المسيحية" في العاصمة الإيطالية روما، هذا المعرض الذي يأتي تتويجا لعلاقات مميزة لعقود تجمع الاردن و الفاتيكان , يعرّف الايطاليين خاصة و الاوروبيين و كل زواره عموما بتاريخ الاردن بعد المسيحية , آثاره , الفسيفساء البديعة , النقوش الحجرية , التماثيل , المنحوتات , و جميع التفاصيل التي صنعت و رسمت و نقشت و صُقلت على مدار قرون على أرض الاردن , يعرض المعرض أكثر من 90 قطعة أثرية نادرة ، تتنوع بين الفسيفساء و المنحوتات القديمة، حيث يصطحب المعرض الزوار في رحلة تفاعلية عبر الزمن، من لحظة معمودية المسيح في نهر الأردن، مرورًا بالعصرين البيزنطي والإسلامي ووصولا إلى العهد الهاشمي.
المعرض و السياحة
لا شك أن الهدف من تعريف المجتمع الاوروبي لتاريخ الاردن هو التماس اثر ايجابي و رد فعل مثمر في السياحة في الاردن ,خصوصا مع ما يمرّ به الاقليم من أوقات حساسة و صعبة تنعكس بشكل مباشر على السياحة , لذلك من المهم التوسّع في هكذا احداث و فعاليات مستقبلا , التسويق للاردن عالميا، والاهم السعي دائما لتحسين جودة المرافق السياحية على ارض الواقع , لجعل تجربة السائح أو الحاج المسيحي إلى الاردن فريدة و مميزة.
رسالة عمّان...و السلام
في مجتمعات و دول أخرى قد تكون رعاية الدولة و القيادة لهكذا معارض أو احداث دينية ضربا من الخيال , لكن من يقرأ رسالة عمّان السامية و يتعمّق في مضامينها يعي أن هذا الوطن و هذه القيادة تسعى دائما للافضل، لا تفرّق بعنصرية، تزن الامور بموازين العقلانية بعيدا عن التعصب والتقوقع، فالقيادة الهاشمية التي ترعى المقدسات في فلسطين من المسجد الاقصى إلى كنيسة القيامة و غيرها الكثير و تهتم دائما بأدق التفاصيل التي تحفظ كرامة المكان و حرمته لا تتوانى يوما على تعريف العالم بالاردن و تاريخه الضارب في القدم.
حفظ الله الأردن و قيادة الاردن وشعب الاردن و كل محبّ لتراب هذا الوطن .