facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الترقيات الجامعية: بين البحث عن التميز وصناعة الأرقام


لانا ارناؤوط
05-02-2025 02:20 PM

تلعب الترقيات الجامعية دورًا محوريًا في تشكيل مسار البحث العلمي داخل الجامعات العربية، إذ تمثل هذه الترقيات الحافز الأساسي للأكاديميين لمواصلة الإنتاج العلمي والبحثي. غير أن النظام الحالي للترقيات في العديد من الجامعات العربية أصبح يخضع لمعايير جامدة قد لا تتناسب مع طبيعة المجتمع العربي أو احتياجاته الفعلية، بل إنها في كثير من الأحيان تفرض أولويات بحثية لا تنبع من المشكلات الفعلية التي يواجهها العالم العربي، وإنما تتبع متطلبات التصنيفات العالمية التي أصبحت تمثل ضغطًا مستمرًا على المؤسسات الأكاديمية.

تعتمد هذه التصنيفات، في معظمها، على معايير مثل عدد الأبحاث المنشورة في مجلات ذات معامل تأثير مرتفع، وعدد الاستشهادات، ونسبة الأبحاث المنشورة في دوريات عالمية باللغة الإنجليزية. ورغم أهمية هذه المؤشرات في قياس جودة البحث العلمي عالميًا، إلا أنها تطرح العديد من الإشكاليات عندما يتم تطبيقها حرفيًا في السياق العربي. فعلى سبيل المثال، يواجه الباحث العربي صعوبة في النشر في المجلات العالمية بسبب القيود اللغوية والتمويل المحدود الذي يؤثر على إمكانية إجراء أبحاث ذات تأثير عالٍ. كما أن طبيعة القضايا البحثية التي تهم المنطقة العربية قد لا تحظى بالاهتمام نفسه لدى المجلات العلمية الغربية، مما يدفع الكثير من الباحثين إلى العمل على مواضيع لا تخدم بالضرورة بيئاتهم المحلية بقدر ما تتماشى مع متطلبات النشر الدولي.

علاوة على ذلك، فإن ارتباط الترقيات الجامعية بعدد الأبحاث المنشورة وليس بجودتها الفعلية أو أثرها المجتمعي، أدى إلى ظاهرة "الاستسهال البحثي"، حيث يسعى العديد من الأكاديميين إلى تحقيق أكبر عدد ممكن من الأوراق العلمية بغض النظر عن قيمتها العلمية أو الابتكارية. ونتيجة لذلك، ظهرت مشكلات مثل التكرار البحثي، والتركيز على الكم على حساب النوع، بل وازدياد ظاهرة المجلات المفترسة التي تستغل حاجة الباحثين للنشر السريع دون مراعاة المعايير الأكاديمية الصارمة.

أما فيما يخص الأثر العام لهذا النظام على جودة البحث العلمي، فيمكن القول إن التركيز المفرط على النشر الدولي بدلًا من دعم الأبحاث التطبيقية المحلية أدى إلى فجوة بين الأبحاث المنتجة وحاجات المجتمع العربي. فالكثير من البحوث التي تنشر في المجلات المصنفة عالميًا لا تجد طريقها إلى التطبيق الفعلي داخل الدول العربية، مما يجعلها مجرد إنجازات أكاديمية لا تسهم في حل المشكلات التنموية.

لذلك، هناك حاجة ملحة لإعادة النظر في معايير الترقيات الجامعية بحيث تأخذ بعين الاعتبار خصوصية البحث العلمي في الدول العربية، والتشجع على الأبحاث التي تخدم التنمية المحلية، وتدعم التعاون بين الجامعات والقطاع الصناعي. كما ينبغي إعطاء أهمية أكبر للتأثير الفعلي للأبحاث بدلاً من الاكتفاء بعدد المنشورات، إلى جانب تعزيز التمويل البحثي وخلق بيئة أكاديمية تحفز على الابتكار والتفكير النقدي بدلاً من الانشغال بمراكمة النقاط البحثية لغرض الترقية فقط.

ولا يمكن تحقيق نهضة علمية حقيقية دون وجود سياسات واضحة تدعم البحث العلمي كأداة للتطوير والتنمية، وليس كوسيلة بيروقراطية للحصول على المناصب والترقيات. إن العالم العربي بحاجة إلى رؤية جديدة لمنظومة البحث العلمي، رؤية تقوم على الإبداع والتكامل بين الباحثين، وربط الأبحاث بالاحتياجات المجتمعية الفعلية، بحيث يكون للعلم دور ملموس في تحسين واقع الشعوب العربية، وليس مجرد وسيلة لتحقيق تصنيفات جامعية قد لا تعكس بالضرورة جودة التعليم أو البحث العلمي في المنطقة.

تواجه الجامعات العربية تحديات متزايدة في سعيها نحو تحسين جودة البحث العلمي ومخرجاتها التعليمية، خاصة في ظل المعايير التي تفرضها التصنيفات العالمية مثل تصنيف شنغهاي وتصنيف كيو إس. هذه التصنيفات تعتمد على مؤشرات قد تبدو بعيدة عن الواقع الفعلي للمؤسسات الأكاديمية في العالم العربي، مما يجعل تحقيق متطلباتها أمرًا في غاية الصعوبة، إن لم يكن مستحيلاً في بعض الأحيان. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن ارتباط البحث العلمي بالترقيات جعل منه مجالًا للتجارة، حيث ظهرت شبكات من المجلات التي تقبل نشر الأبحاث بمقابل مالي دون أن تخضع هذه الأبحاث لمراجعات علمية صارمة، وهو ما أسهم في تدهور جودة الأبحاث المنشورة.

هذا الوضع أدى إلى فجوة بين الأبحاث الأكاديمية ومتطلبات سوق العمل، فمعظم الأبحاث التي يتم إنتاجها لا تعكس الاحتياجات الفعلية للقطاعات المختلفة في المجتمع، وإنما يتم اختيار مواضيعها بناءً على إمكانية النشر في المجلات المصنفة عالميًا وليس بناءً على مدى أهميتها أو قابليتها للتطبيق العملي. فمثلاً، في العديد من الدول العربية، نجد أن البحث العلمي في مجالات مثل الطاقة المتجددة، وتحلية المياه، والزراعة الحديثة، والصناعات الدوائية، لا يحظى بالدعم الكافي، رغم أن هذه المجالات تمثل احتياجات ملحة للمنطقة، وذلك لأن التمويل غالبًا ما يوجه نحو الأبحاث النظرية أو التقليدية التي تتماشى مع متطلبات النشر في الدوريات العالمية دون أن تأخذ في الاعتبار المشكلات الحقيقية التي تواجه المجتمعات العربية.

ومن هذا المنطلق، لا يمكن تحقيق تطور حقيقي في الجامعات العربية ما لم يتم العمل على تحسين بيئة البحث العلمي بشكل جذري، وهو أمر لا يمكن أن يحدث بمعزل عن تحسين المجتمعات نفسها. فالتعليم العالي والبحث العلمي ليسا مجرد عمليات أكاديمية معزولة، بل هما انعكاس لواقع المجتمعات التي يعملان ضمنها.

وإذا كنا نريد أن تصل جامعاتنا إلى مراتب متقدمة في التصنيفات العالمية، فعلينا أولًا أن نطور سياساتنا التعليمية والبحثية بما يتلاءم مع احتياجاتنا الحقيقية، وليس وفقًا لمعايير تفرض علينا من الخارج دون أن تراعي خصوصياتنا وإمكاناتنا. حينها فقط، ستتحول الجامعات العربية إلى مؤسسات رائدة قادرة على إنتاج معرفة حقيقية، بدلاً من أن تبقى مجرد مؤسسات تسعى إلى تحقيق متطلبات شكلية دون أن يكون لها أثر ملموس في حياة الناس.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :