facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




غزة والوداع المستحيل: حين يتحول الفقد إلى مقاومة والصمت إلى صرخة لا تموت


أ. د. هاني الضمور
10-02-2025 03:44 PM

في ظل ما يعيشه أهل غزة اليوم من ألم الفقد والدمار والوداع الذي لا ينتهي، تبدو رواية “الوداع المستحيل” للكاتبة الكورية هان كانغ وكأنها تحاكي واقعهم القاسي، حيث تتقاطع موضوعاتها مع معاناة الفلسطينيين الذين يودّعون أحبّتهم، بيوتَهم، وذكرياتِهم في مشهد لا تكفي الكلمات لوصفه. الرواية التي تتناول الفقد، الصبر، الهوية، والعزلة، تتلاقى مع واقع أهل غزة الذين يعيشون هذا الوداع يوميًا، وسط صمت العالم وصوت القصف. وفي ظل هذه المأساة، تبرز الرؤية القرآنية كمنارة للصبر والصمود، حيث يعكس القرآن كيف يمكن للإنسان أن يجد القوة في قلب المحنة.

أولًا: الفقدان في غزة.. صبر فوق الاحتمال

رواية الوداع المستحيل تصور البطل وهو يعيش أزمة الفقد، عاجزًا عن تجاوزها، لكن ماذا عن أهل غزة الذين يودعون أحبّتهم كل يوم دون وداع حقيقي؟ الأب الذي يدفن أطفاله، الأم التي تفقد منزلها، الطفل الذي يقف على أنقاض بيته لا يفهم معنى الخراب، جميعهم في معركة مع فقدٍ لا يمكن احتماله.

يقول الله تعالى في القرآن الكريم:

“وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ” (البقرة: 155-156).

بين سطور الرواية، يتردد سؤال كيف نواجه الفقد؟، ولكن في غزة، الصبر ليس خيارًا بل مصيرًا، والصمود ليس مجرد مفهوم فلسفي، بل حياة تُعاش وسط الدمار. يودّعون بلا وداع، لكنهم لا ينكسرون، لأنهم يحملون إيمانًا بأن ما يحدث ليس النهاية.

ثانيًا: الهوية الفلسطينية.. ذاكرة لا تموت

في الرواية، يُحاصر البطل في ذكرياته، يتساءل إن كان التمسك بالماضي قوة أم ضعفًا. في غزة، الذاكرة هي الوطن حين يصبح الوطن أنقاضًا. المنازل التي تُهدم، المساجد التي تُقصف، الشوارع التي كانت يومًا مزدحمة بالحياة، كلها تعيش في ذاكرة الفلسطينيين كحقيقة لا يمكن لآلة الحرب محوها.

يقول الله تعالى:

“وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” (آل عمران: 139).

الهوية ليست مجرد أوراق رسمية، بل حكايات الأجداد، صور الشهداء، أسماء الشوارع التي تحولت إلى رماد. غزة تعلم العالم أن الهوية ليست شيئًا يمكن قصفه أو محوه، بل شيء يُنقش في القلب والذاكرة، يستمر رغم الألم.

ثالثًا: العزلة المفروضة.. غزة تحت الحصار

في الرواية، يختار البطل العزلة، ولكن في غزة، العزلة مفروضة، حصار خانق يحبس أكثر من مليوني إنسان، يمنع الدواء والطعام، يقطع الكهرباء، ويحرمهم حتى من ضوء الشمس. كيف يكون للحياة معنى في ظل الحصار والحرمان؟

في القرآن، كانت العزلة أحيانًا فرصة للعودة إلى الله والتأمل، كما في قصة مريم عليها السلام، التي لجأت إلى الصمت حين واجهت اتهامات الظلم:

“فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا” (مريم: 29).

لكن في غزة، العزلة ليست اختيارًا، بل سياسة ممنهجة لإخماد الصوت، لكنهم لا يصمتون. رغم العزلة، يرفعون أصواتهم، يوثقون جرائم الاحتلال، يكتبون، يرسمون، يقاتلون بكل الوسائل المتاحة لئلا تُمحى قصتهم.

رابعًا: الفن والمقاومة.. الكتابة سلاح لا يُهزم

في الرواية، الفن والكتابة وسيلتان للتعبير عن الألم، تمامًا كما هي الحال في غزة، حيث تحولت القصائد، الأغاني، والرسومات إلى مقاومة. في القرآن، نجد كيف عبّر النبي يعقوب عن فقدانه ليوسف بحزن صادق لكنه لم ينهزم:

“وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰٓأَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ” (يوسف: 84).

الحزن الفلسطيني ليس استسلامًا، بل إبداعٌ يولد من المعاناة. الأغاني التي تخرج من غزة ليست مجرد موسيقى، بل نبض حياة يرفض الانطفاء، واللوحات التي يرسمها الفنانون على الجدران المحطمة هي صرخات لا تموت. الرواية تصور الألم كمساحة للإبداع، وغزة تحول الألم إلى مقاومة.

ختامًا: غزة.. حيث الوداع المستحيل يتحول إلى أمل

في نهاية الرواية، يدرك البطل أن الوداع ليس نهايةً مطلقة، بل بداية جديدة لفهم الذات والحياة. وفي غزة، لا شيء ينتهي، لأن كل وداع هو وعد بالعودة، كل بيت يُهدم يُعاد بناؤه، كل شهيد يُسقط يولد من دمه ألف مقاوم، وكل ألم هو طريق إلى حياة لا تنتهي في ذاكرة الوطن.

يقول الله تعالى:

“وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتًۭا ۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ” (آل عمران: 169).

رواية الوداع المستحيل تحكي قصة فقدان وألم، ولكن غزة تحكي قصة أكبر: قصة الصمود في وجه الفقدان، والإيمان بأن النصر يأتي رغم الجراح. إنها ليست مجرد مدينة، بل رمزٌ للعالم بأن الإنسان قادر على الوقوف من جديد، حتى حين يحاول الجميع إسقاطه.

في غزة، الوداع مستحيل، لأن الأرض لا تنسى، والشهداء لا يُنسون، والحرية وإن تأخرت، قادمة لا محالة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :