facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الأردن: الرقم الصعب في معادلة الشرق الأوسط


أ. د. هاني الضمور
11-02-2025 11:11 PM

في قلب الشرق الأوسط، حيث تتقاطع المصالح وتصطدم القوى، يقف الأردن بثبات، ليس دولةً تبحث عن موقعٍ بين الكبار، بل كيانٌ سياسي يحمل على كتفيه إرثًا عريقًا من الحكمة والصبر والمناورة الذكية. ليس بلدًا ينجرف في تيارات السياسة العاصفة، ولا دولةً تُباع في صفقات المصالح العاجلة، بل وطنٌ يدرك كيف يحمي ذاته، وكيف يحفظ توازنه، وكيف يحول الضغط إلى فرصةٍ جديدة تثبت للعالم أن الكرامة السياسية ليست مجرد شعار، بل قاعدةٌ راسخةٌ في أروقة الحكم وفي أذهان من يقررون المصير.

ليس غريبًا أن تتجه الأنظار إلى الأردن مع كل متغيرٍ سياسي جديد، فهو ليس مجرد دولةٍ صغيرةٍ في منطقةٍ مضطربة، بل هو السدّ الذي يمنع الفوضى من الامتداد، وهو التوازن الذي يحفظ للمنطقة استقرارها الهش. كل من يفكر بفرض واقعٍ جديد عليه يدرك، ولو بعد حين، أن الأردن ليس ورقةً يمكن التلاعب بها، بل هو معادلةٌ متكاملةٌ من الحكمة والقوة والقدرة على المناورة.

في زمن التغيرات الحادة، حيث المصالح تتبدل والتحالفات تتغير، يعود ترامب إلى البيت الأبيض، حاملًا معه سياسةً لا تعرف سوى منطق الصفقات، واضعًا المنطقة أمام اختباراتٍ جديدة، لكن الأردن، بعقله الهادئ وحنكته العريقة، لا يرى في ذلك تهديدًا، بل تحديًا يستدعي ذكاءً سياسيًا عميقًا، يستثمر نقاط القوة ويُعيد ترتيب الأوراق بحيث تصبح الضغوط وسيلةً لإثبات مكانته، لا لكسره أو إخضاعه.

لا يمكن لواشنطن أن تتجاهل موقع الأردن الاستراتيجي، فهو الحاجز بين الفوضى والاستقرار، وهو الجسر الذي يربط الشرق بالغرب، وهو الدولة التي تقف على مفترق طرقٍ بين الخليج والشام، بين العراق وفلسطين، بين العواصف الإقليمية وضرورة الاتزان. كل من يفكر في زعزعة الأردن يدرك أن ذلك يعني فتح الباب أمام اضطراباتٍ لا تستطيع إسرائيل ولا الولايات المتحدة ولا أي قوةٍ أخرى تحمل تداعياتها، فالأردن ليس فقط حدودًا، بل هو أمنٌ إقليمي، واستقرارٌ دولي، وميزانٌ يحفظ الشرق الأوسط من الغرق في فوضى لا حدود لها.

حين يتحدثون عن أوراق القوة، يغفلون أن للأردن من النفوذ الأمني ما يجعله لاعبًا لا يمكن الاستغناء عنه، فأجهزته الاستخبارية ليست مجرد طرفٍ في الحرب على الإرهاب، بل هي شريكٌ رئيسيٌ في صياغة استراتيجيات المواجهة على مستوى العالم. يعرف الجميع أن الكثير من الهجمات الإرهابية التي أُحبطت في العواصم الغربية لم يكن ليتم كشفها دون التنسيق الأمني مع عمان، وأن القواعد العسكرية الأمريكية على الأراضي الأردنية ليست مجرد منشآتٍ، بل مراكز عملياتٍ تعتمد عليها واشنطن نفسها في إدارة معاركها الخفية في المنطقة. كيف يمكن لدولةٍ تمتلك هذا التأثير أن تكون في موقف الطرف الأضعف؟ وكيف يمكن لمن يعتمد عليها في أمنه القومي أن يتعامل معها وكأنها ورقة ضغطٍ قابلةٍ للطي؟

لكن الأمن وحده لا يصنع النفوذ، فالأردن يمتلك ما هو أكثر من ذلك. بين يديه مفتاح القدس، والوصاية الهاشمية ليست مجرد رمزيةٍ دينية، بل هي امتدادٌ تاريخي وسياسيٌ يجعله طرفًا لا يمكن تجاوزه في أي نقاشٍ حول مصير المدينة المقدسة. أي محاولةٍ للمساس بهذه الوصاية ستشعل المنطقة بلهيبٍ لا يمكن احتواؤه، ليس فقط عربيًا، بل إسلاميًا ودوليًا.

قد يظن البعض أن المساعدات الأمريكية هي نقطة ضعفٍ، لكنها في الحقيقة ورقةٌ قابلةٌ للمقايضة، فالأردن لم يكن يومًا دولةً تعيش على الهبات، بل هو وطنٌ يصنع اقتصاده رغم الظروف، ينهض رغم التحديات، يتأقلم رغم الضغوط. يعرف كيف يبني شراكاتٍ جديدة، وكيف يعيد تشكيل تحالفاته، وكيف يوازن بين القوى الكبرى بحيث لا يكون تابعًا لأحد، بل شريكًا لمن يحترم استقلاله.

وحين يظن البعض أن الضغط قد يجبره على القبول بأجنداتٍ لا تخدم مصالحه، يأتي الرد بهدوء، دون صخب، دون ضجيج، لكنه حاسمٌ بما يكفي ليعيد الجميع إلى قواعد اللعبة. لأن الأردن ليس دولةً تتلقى الإملاءات، بل هو كيانٌ يعرف حجمه، ويدرك قيمته، ويؤمن بأن الذكاء السياسي هو سلاح الأقوياء، لا منطق القوة وحده.

قد يعود ترامب إلى الحكم، وقد تتغير قواعد اللعبة من جديد، لكن الثابت الوحيد هو أن الأردن سيبقى هو الرقم الصعب في معادلة الشرق الأوسط، ليس تابعًا، وليس هامشيًا، بل قوةٌ في حد ذاته، تصنع قراراتها بحكمة، وتفرض حضورها باحترام، وتبقى كما كانت دائمًا، دولةً لا تخضع إلا لسيادتها، وشعبًا لا يقبل إلا أن يكون حراً.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :