حرب ترامب التجارية .. فرصة ذهبية للدول النامية لقلب الطاولة!
أ. د. هاني الضمور
18-02-2025 10:25 AM
في عالم الاقتصاد، لا تُصنع الثروات فقط عبر النمو المستقر، بل تنبثق أيضًا من الأزمات والاضطرابات. ومع تصاعد الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقراراته الأخيرة، يتجه الاقتصاد العالمي نحو مرحلة جديدة من إعادة التموقع الاستراتيجي، حيث لم تعد الولايات المتحدة الوجهة الأكثر استقرارًا للاستثمارات والتجارة. هذه التغيرات خلقت خللًا في الميزان التجاري العالمي، لكنه في ذات الوقت قدّم فرصة ذهبية للدول النامية لتتحول من مجرد أسواق مستهلكة إلى قوى إنتاجية واستثمارية قادرة على قلب الطاولة لصالحها.
تتجه الولايات المتحدة نحو سياسة اقتصادية حمائية، تهدف إلى تقليل الاعتماد على الواردات الأجنبية عبر فرض تعريفات جمركية باهظة على السلع المستوردة، مما يجعل الإنتاج داخل أمريكا أكثر تكلفة، ويدفع الشركات متعددة الجنسيات إلى إعادة تقييم استراتيجياتها. لم يكن التأثير مقتصرًا على الشركات الأمريكية وحدها، بل امتد ليشمل شركاء تجاريين رئيسيين مثل الصين، كندا، المكسيك، والاتحاد الأوروبي، الذين باتوا يبحثون عن أسواق بديلة وشركاء جدد لتعويض خسائرهم. وهنا، تبرز الدول النامية كخيار مثالي، حيث تمتلك العمالة الأرخص، والمزايا الضريبية، والمرونة الاقتصادية التي تفتقر إليها الاقتصادات المتقدمة المثقلة بالبيروقراطية.
المعادلة واضحة: الشركات الكبرى لن تتحمل ارتفاع التكاليف الإنتاجية في أمريكا، وستتجه إلى نقل عملياتها إلى أماكن أكثر تنافسية. من هنا، فإن الدول النامية التي ستتمكن من تقديم حوافز ضريبية، مناطق صناعية متطورة، واتفاقيات تجارية ذكية، ستجذب استثمارات ضخمة كانت فيما مضى تُوجَّه نحو الولايات المتحدة. المكسيك، على سبيل المثال، بدأت بالفعل في استقبال استثمارات كانت موجهة إلى السوق الأمريكي، كما أن دولًا آسيوية مثل فيتنام والهند استفادت من تحول المصانع الصينية إليها هربًا من الرسوم الأمريكية.
لكن الأمر لا يقتصر على جذب الاستثمارات فقط، بل يمتد إلى الاستفادة من الاضطراب التجاري الحاصل بين الدول الكبرى. فمع فرض ترامب تعريفات جمركية مرتفعة على الصين، بدأت الأخيرة تبحث عن شركاء جدد لتعويض الصادرات الأمريكية، وهو ما يفتح المجال أمام الدول النامية لتعزيز صادراتها من السلع الأساسية مثل المنتجات الزراعية، التكنولوجيا المتوسطة، والمواد الخام. بنفس المنطق، فإن الشركات الأوروبية التي باتت تواجه بيئة تجارية غير مستقرة مع الولايات المتحدة، قد تبحث عن بدائل أكثر استقرارًا في الأسواق النامية، مما يخلق فرصًا هائلة لتوسيع الشراكات التجارية وتحقيق مكاسب اقتصادية بعيدة المدى.
الاستفادة من هذه الحرب التجارية تتطلب استراتيجيات جريئة، فالأسواق لا تنتظر من لا يتحرك بسرعة. الدول النامية بحاجة إلى تحسين بنيتها التحتية، وتبسيط قوانينها التجارية، وعقد اتفاقيات حرة مع الشركاء الرئيسيين المتضررين من سياسات ترامب. يجب أن تتحول هذه الدول من مجرد مستهلكة للمنتجات الغربية إلى دول مصنعة قادرة على تقديم بدائل حقيقية للأسواق العالمية. هذا التحول ليس مجرد خيار، بل ضرورة استراتيجية تفرضها التغيرات الاقتصادية العالمية.
السياسات الحمائية التي يطبقها ترامب قد تكون بداية لانعزال الولايات المتحدة اقتصاديًا، وهو ما يخلق فراغًا اقتصاديًا يجب أن تملأه الدول الطامحة للنمو. فبدلًا من الاعتماد على الولايات المتحدة كمصدر رئيسي للاستثمارات والتجارة، حان الوقت للدول النامية لتشكيل تحالفاتها الاقتصادية الخاصة، واستقطاب رؤوس الأموال التي تبحث عن استقرار بعيدًا عن العواصف السياسية والتجارية الأمريكية.
إن ما يحدث اليوم ليس مجرد أزمة عابرة، بل إعادة تشكيل للنظام الاقتصادي العالمي، ومن يفهم قوانين اللعبة الجديدة سيخرج منها فائزًا. الدول النامية أمام لحظة تاريخية نادرة تستطيع من خلالها إعادة صياغة موقعها في الاقتصاد العالمي. فهل ستكون هذه اللحظة هي بداية تحولها من لاعبين هامشيين إلى قوى اقتصادية فاعلة؟ الإجابة تعتمد على مدى قدرتها على استغلال هذه الفرصة قبل أن يفوت الأوان.