الطبقية بين جوردان والأردن
فيصل سلايطة
18-02-2025 01:46 PM
تكرّر هذا اللفظ كثيرا لوصف تباين الطبقات في المجتمع الاردني ، أو لقسم المجتمع من النصف ، فجوردان في عين ابناء الاردن ، هم المترفون ، الارقّاء ، الذين لا يلفظون حرف القاف القاسي ،أو الجيم الفظّة ، هم الذين يتنعمون بخيرات الاردن ، الذين تصطف على عتبات بيوتهم اللمبرغيني و الفيراري و البورش ، هم الذين لا يخرجون دون حبّات من الالماس على ساعاتهم و اعناقهم ، هم من في ارصدتهم الملايين ، هم الفاسدون ، البعيدون عن الدين"بعضهم" ، هم الذين يرتادون الحانات و المراقص ، هم الذين لا يحبّون الوطن .
أما ابناء الاردن في عيون الجورادنيين ، فهم الرجعيون ، البدائيون ، هم الذين يركبون وسائل النقل العام بالرغم من امتلاكهم لدونمات من الاراضي لكنهم لا يبيعونها ، هم من يركبون البكب اب ، هم ابناء القرى و الارياف ، الذين لا يواكبون التطور ، هم من تشتري نساؤهم الذهب الاصفر المعصفر بلا أي حبّة "ستراس" ، و القائمة تطول من اوصاف يراها كل طرف في الآخر.
هذه الطبقية المقيتة لا يمكن مطلقا التعميم بها أو التعويل عليها لتحليل المجتمع ، فلا يمكن بأي شكل من الاشكال وصف أبناء الاردن بالاكثر وفاءا و ابناء جوردان بالفاسدين ، لا يمكن ابدا اختزال الرجولة بطرف دون الاخر ، أو قياس الذوق و الادب أو النظافة أيضا.
لكل وطن ، أو مجتمع إن أردنا التخصيص الدقيق ، طبقة أو عدة طبقات مطلوبة و ضرورية لابراز جماليته و تباينه ، و غالبا ما تحدث نتيجة فوارق فرص /تعليمية/اقتصادية/احيانا ديموغرافية أو سياسية.
منطقية هذه التباين في الطبقات تتلخص في عدم اتساع الفجوة فيما بينها ، و في ذات الوقت تنوعها و اقترابها من بعضها البعض ، أي ألا تفرز الحالة الاقتصادية طبقات (غني جدا _غني _ ثم مباشرة فقير ) بل تتباين بين( غني_طبقى وسطى_فقير) ، و ألا يلعب الفساد دورا في تثبيت الفروقات لكي لا يتضخم الاحتقان فيما بينها.
و بالعودة للصفات أو الاحكام المسبقة المبنية على الشكل _اللهجة_العادات و التقاليد ، هل يمككنا اعتبار البدو فقط الصورة المشرفة للأردن؟ أو اعتبار أهل الشمال الفلاحين الذي لا يتحدثون بلغة البدو مواطنون درجة ثانية ، أو المعلم المنمق المعطر في عمان الغربية صورة لا تمثل الاردن؟
فمثلا ، كثيرا ما انتشرت الافعال الجرمية كتهريب المخدرات بين "بعض" سكان المناطق المحاذية للحدود السورية فهل يمكن اعتبار مهرّب للمخدرات مدمر للمجتمع من" الاردن" و ليس من "جوردان" اردنيا اصيلا و اقصاء شاب من دابوق يحكي " أأعد " عوضا عن اقعد أي" اجلس" ، لا يمثل هذا الوطن بسبب لهجته و زرقة عيناه؟
حتى الممارسات التي تتخذ طابع الترف و التبذير في عمان الغربية ، يقابلها ممارسات تبذيرية في عمان الشرقية و غيرها من المناطق و الارياف، لكن القيمة تختلف طبقا للنسبة و التناسب و تفاوت الدخل.
الاردن كوطن يحتاج للجميع ، يحتاج للرقيقة الجميلة و يحتاج لمن تلبس العصبة كتاج على رأسها ، يحتاج للبدوي الاصيل المعطّر بالهيل ، كما يحتاج للفلاح و المزارع و المعلم ، يحتاج لكل اشكال الناس و طباعهم ، يحتاج لصورة حضرية حضارية متطورة منمّقة كما يحتاج لصورة اخرى تنبع منها الاصالة.
استخدام لفظ جوردان ، أو اتهام اصحابها بأنّهم لا يعرفون وسط البلد ، أو سقف السيل ، أو احياء ماركا ، هو تماما كاتهام الاغنياء للفقراء بعدم معرفة العطور النفسية أو اسماء الاحجار الكريمة، فلكل شخص دائرة اهتمام ، معارف ، تفاصيل تختلف عن الآخر.