الآكلون على كل الموائد من أبناء جلدتنا
يوسف عبدالله محمود
22-02-2025 05:41 PM
لئن لم يكن في هذا العالم شيء أصعب من الصدق فلا شيء أسهل من التملق "دوستوفسكي"
الآكلون على كل الموائد هم اهل النفاق والشقاق. هم الذين باعوا أنفسهم لمن يدفع اكثر. هم المتملقون للكبار من أصحاب النفوذ.
آفة العصور العربية والإسلامية هي تملق السلاطين. امثلة كثيرة يمكن ان تُساق على نفاق اجتماعي خطير داس كل الفضائل الإنسانية.
خذ مثلًا ما قيل في الملك المخلوع فاروق ملك مصر. د. طه حسين عميد الأدب العربي قال فيه مُخاطباً إياه: "يا صاحب مصر" وكأن مصر ضيعة يمتلكها. وبعضهم قالوا فيه: "يا واحد العرب الذي أمس وليس له نظير لو كان مثلك في الورى ما كان في الدنيا فقير.
أما ابن هانيء الاندلسي فاشتط كبر حين مدح المعز لدين الله الفاطمي بقوله: "ما شئت لا ما شاءت الاقدار فاحكم فانت الواحد القهار".
ابن هانيء أوصل ممدوحه الى المرتبة الإلهية جعل منه "حاكمًا لا يخضع للاقدار"!
يقول صلى الله عليه وسلم في المنافق "تجدون شر الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هذا بوجه ويأتي هؤلاء بوجه".
المنافقون في كل العصور العربية والإسلامية عاشوا ويعيشون بما يريده أسيادهم. المصيبة اذا هوى سيدهم سرعان ما ينهشونه تملقًا للسيد الجديد! إنه السقوط بعينه.
يقول احد المستشرقين وهو "جب" "إن علينا كي نغير وجه الإسلام ان نسير في اتجاهين: الأول بناء كوادر علمانية والثاني صناعة الرأي العام".
انه التضليل بعينه الذي يتكفل به الغرب الامبريالي. علمانيتهم بلا مضمون انساني.
إن من يأكل على كل الموائد عالمًا او اعلاميًا او خطيبًا في مسجد لا يؤتمن لأنه من ماسحي الجوخ، وما اكثرهم في أيامنا هذه.
وقد رُوى عنه صلى الله وسلم قوله "ان اخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان".
وما اكثرهم في أيامنا هذه باعوا شرفهم للدنيا والدرهم!
وهنا يُروى عن المهدي ان عجوزًا قابلها وسألها: ممن انت؟ أجابت من طيء. قال لها: ما منع طيئا ان يكون فيهم مثل حاتم؟ فقالت: الذي منع الملوك ان يكون فيهم مثلك. فعجب من جوابها ووصلها.
أتساءل اليوم الى متى تروج تجارة المنافقين. يقصدون أبواب الحكام يتملقونهم ابتغاء حظوة ومال لديهم فاذا ظفروا به حرقوا البخور بين أيديهم.
وإن لم يظفروا سلقوهم بالسنة شداد!
ولست ابالغ حين ازعم ان النفاق الاجتماعي أخطر أنواع النفاق لأنه يدوس كل الفضائل.
خذ ما يضخه الاعلام العربي من أحاديث فيها من تملق الكبار ما فيها. لا كلمة "صدق" واحدة فيها. وانا هنا لا اعمم.
اقارن بين احوالنا العربية واحوال الأمم الغربية فأرى انهم يكرهون النفاق في غالبيتهم، فمن حاد عن الطريق ولو كان زعيماً قالو له انت "مخطئ". ليت هذه الكلمة تقال لمن بغى وتجبر في أمورنا!
لماذا لا نقتدي بهم في هذا المجال؟
اعلامنا العربي بحاجة الى انتفاضة تخرجه من دائرة النفاق والتطبيل والتزمير الى دائرة الحق.
انه الهوان الذي ما بعده هوان هذا الذي يعيشه اعلامنا. لاعقو نعال الكبار ابتغاء جاه او مال او منصب هو بحق حثالة البشر –ولا أُعمم-.
يسعون الى المكاسب الشخصية وإن جاءت على حساب القيم الإنسانية. لا يكترثون ان هم وصلوا الى مبتغاهم عن طريق غير شريف.
والله من وراء القصد