facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




استقلالية هيئة الاعتماد: بين الدور الرقابي والتأثير الإداري


أ. د. هاني الضمور
26-02-2025 11:43 AM

في ظل التحديات المتزايدة التي تعصف بقطاع التعليم العالي في الأردن، تبرز أهمية ضمان الجودة والاعتماد الأكاديمي كركيزة أساسية لتحقيق التنافسية والتميز. ومن هذا المنطلق، تأتي هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضمان جودتها كجهة رقابية تهدف إلى وضع معايير الاعتماد الأكاديمي ومراقبة التزام الجامعات بها، لضمان تحقيق أعلى المستويات التعليمية. غير أن استقلالية هذه الهيئة، التي يُفترض أن تكون العامل الأساسي في نزاهة قراراتها، تواجه تحديًا خطيرًا يتمثل في وجود ممثل لها داخل مجلس التعليم العالي، وهو الأمر الذي يُضعف حياديتها ويؤثر على مصداقيتها، بل ويثير تساؤلات عميقة حول مدى قدرتها على ممارسة دورها الرقابي بفعالية بعيدًا عن التأثيرات الإدارية والسياسية.

تُعد الاستقلالية العامل الحاسم في قدرة أي هيئة رقابية على أداء دورها بكفاءة، إذ لا يمكن للجهة المسؤولة عن تقييم جودة التعليم العالي أن تكون في الوقت نفسه جزءًا من المنظومة التنفيذية التي تضع السياسات التعليمية. فمن المفترض أن تكون هيئة الاعتماد جهة منفصلة تمامًا عن وزارة التعليم العالي ومجلس التعليم العالي، تعمل وفق معايير أكاديمية دولية واضحة، دون أن تتأثر بأي اعتبارات خارج نطاق الجودة والتميز الأكاديمي. لكن الواقع يعكس صورة مغايرة، حيث يؤدي تمثيل الهيئة داخل مجلس التعليم العالي إلى تداخل غير مبرر بين من يرسم السياسات ومن يراقب تنفيذها، وهو ما يضع الهيئة في موقف حرج، إذ تصبح لاعبًا وحكمًا في الوقت ذاته، ويقلّص من استقلاليتها التي يُفترض أن تكون جوهر عملها.

عندما تكون الهيئة ممثلة في مجلس التعليم العالي، فإنها لا تعود مجرد جهة رقابية، بل تصبح جزءًا من عملية صنع القرار التعليمي، ما يعني أن قراراتها قد تتأثر بالتوجهات العامة للمجلس، بدلاً من أن تكون محكومة فقط بالمعايير الأكاديمية الموضوعية. هذا التداخل في الأدوار لا يخلق فقط حالة من الغموض المؤسسي، بل يؤدي أيضًا إلى إضعاف فعالية الهيئة في فرض معايير الجودة بشكل صارم، إذ قد تجد نفسها مضطرة إلى التوافق مع توجهات المجلس بدلاً من اتخاذ قرارات رقابية مستقلة تمامًا. وهذا بدوره يجعل بعض الجامعات تتعامل مع معايير الجودة كإجراءات شكلية، بدلًا من أن تكون متطلبات جوهرية لتحقيق التطوير الفعلي في العملية التعليمية.

إن ضعف استقلالية الهيئة نتيجة وجودها في مجلس التعليم العالي لا ينعكس فقط على نزاهة قراراتها، بل يؤثر أيضًا على ثقة الجامعات والمجتمع الأكاديمي في عملها. فكلما كانت قرارات الاعتماد والتقييم تُتخذ بعيدًا عن أي تأثيرات إدارية أو سياسية، كلما زادت مصداقيتها وأصبحت أكثر قدرة على تحفيز الجامعات على تطوير أدائها فعليًا. على العكس من ذلك، إذا شعر رؤساء الجامعات بأن قرارات الهيئة قد تتأثر بمداولات مجلس التعليم العالي، فإنهم قد لا يأخذون عمليات الاعتماد بجدية كافية، مما يؤدي إلى تراجع حقيقي في جودة التعليم العالي.

ولو أردنا البحث عن نموذج ناجح لهيئة مستقلة تؤدي دورها بكفاءة دون أن تخضع لأي تأثيرات تنفيذية، لوجدنا الهيئة المستقلة للانتخابات مثالًا واضحًا على ذلك. فقد أُنشئت هذه الهيئة لضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية في الأردن، وهي تعمل باستقلالية تامة عن الحكومة، مما عزز ثقة المجتمع في قراراتها. وإذا كان الهدف من إنشاء هيئة الاعتماد هو ضمان جودة التعليم العالي، أفليس من المنطقي أن تكون مستقلة تمامًا على غرار الهيئة المستقلة للانتخابات؟ لماذا تُترك قرارات الاعتماد والتقييم عرضة لأي تأثير قد ينشأ عن تداخل الصلاحيات، بدلًا من أن تكون محكومة فقط بالمعايير الأكاديمية الصارمة؟.

إن إصلاح هذه الإشكالية يبدأ من إلغاء تمثيل الهيئة داخل مجلس التعليم العالي، بحيث تعمل الهيئة بشكل منفصل تمامًا عن المجلس، وتكون مسؤولة فقط عن تقييم جودة التعليم العالي دون أي تدخلات أو تأثيرات من أي جهة أخرى. وحتى يتحقق هذا الهدف، لا بد من تعزيز استقلالية الهيئة قانونيًا وإداريًا، بحيث يتم منحها الصلاحيات الكاملة لاتخاذ قراراتها بمعزل عن أي جهة تنفيذية. كما ينبغي إعادة رسم الحدود بين صلاحيات المجلس والهيئة، بحيث يكون المجلس مسؤولًا عن وضع السياسات التعليمية، بينما تتولى الهيئة دورها الرقابي دون أي تداخل بين المهمتين. ولضمان نزاهة قراراتها، يجب أن تحصل الهيئة على تمويل مستقل، بحيث لا يكون لأي جهة حكومية القدرة على التأثير على قراراتها من خلال التحكم في ميزانيتها، إضافة إلى ضرورة تعزيز الشفافية في عمليات الاعتماد، من خلال نشر جميع تقارير التقييم بشكل علني، حتى يكون المجتمع الأكاديمي على اطلاع دائم بمعايير الجودة والالتزام بها.

عندما تتحقق استقلالية الهيئة، فإن ذلك سينعكس إيجابيًا على مستوى التعليم العالي في الأردن، إذ ستدرك الجامعات أن قرارات الاعتماد لم تعد تخضع لأي تأثيرات خارجية، بل باتت قائمة على معايير واضحة غير قابلة للتلاعب. وهذا سيدفع المؤسسات الأكاديمية إلى تحسين أدائها بشكل جاد، بدلًا من مجرد استيفاء متطلبات شكلية للحصول على الاعتماد. كما سيؤدي إلى تحسين تصنيف الجامعات الأردنية عالميًا، نظرًا لاعتماد معايير جودة متقدمة تتماشى مع التوجهات الدولية. إضافة إلى ذلك، فإن استقلال الهيئة سيضمن شفافية أكبر في عمليات التقييم، مما يعزز ثقة الطلبة وأولياء الأمور في قرارات الاعتماد، ويجعلهم أكثر وعيًا بجودة المؤسسات التعليمية التي يلتحقون بها. والأهم من ذلك كله، أن التنافسية في سوق العمل ستزداد، حيث ستصبح الجامعات مجبرة على تطوير برامجها الأكاديمية بشكل مستمر، بما يتماشى مع احتياجات السوق، لضمان بقاء خريجيها في مستوى مؤهل للمنافسة.

إن إعادة النظر في العلاقة بين هيئة الاعتماد ومجلس التعليم العالي لم تعد خيارًا، بل ضرورة ملحة لضمان حيادية القرارات وتحقيق جودة تعليمية حقيقية. فلا يمكن أن نطالب الجامعات بالالتزام بمعايير الجودة إذا كانت الجهة المسؤولة عن مراقبتها غير مستقلة تمامًا. وإذا كنا نطمح إلى نظام تعليمي أكثر شفافية وكفاءة، فإن أول خطوة يجب أن تكون إطلاق هيئة الاعتماد من قيود مجلس التعليم العالي، ومنحها الاستقلالية الكاملة، تمامًا كما هو الحال في النماذج الدولية الناجحة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :