الخيميائي: هل ستصغي إلى نداء روحك؟
أ. د. هاني الضمور
11-03-2025 11:29 AM
في عالم يحكمه الروتين، حيث تُختزل الطموحات في الوظائف المستقرة، وتُمحى الأحلام تحت وطأة الواقع، تأتي الخيميائي كرسالة إلى كل من يشعر بأن هناك صوتًا داخليًا يناديه، لكنه يخشى الاستماع إليه. هذه ليست مجرد رواية، بل هي رحلة داخل كل شخص يبحث عن شيء أكبر، عن معنى لحياته، عن حقيقة قد لا يراها بوضوح، لكنه يشعر بها في أعماقه.
كتبها البرازيلي باولو كويلو، لكنها لم تعد مجرد قصة فردية، بل تحولت إلى ظاهرة عالمية، لأن الفكرة التي تحملها ليست مقيدة بزمن أو مكان. إنها تمس كل إنسان تردد يومًا بين المغامرة والأمان، بين اتباع حلمه أو البقاء في حدود المألوف. إنها حكاية كل من تجرأ على أن يسأل: “ماذا لو كنت خُلقت لشيء أعظم مما أعيشه الآن؟”..
سانتياغو، بطل القصة، لم يكن أميرًا ولا بطلاً خارقًا، بل مجرد راعٍ بسيط. لكنه رأى حلمًا يتكرر، كنز مدفون عند الأهرامات. كان بإمكانه أن ينسى، أن يعتبره مجرد خيال عابر، لكنه اختار أن يصغي. في البداية، لم يكن الطريق واضحًا، ولم يكن يعرف إن كان الكنز حقيقيًا أم مجرد وهم، لكنه كان يعرف شيئًا واحدًا: إن لم يتبع نداء قلبه، فسيعيش حياته كلها يتساءل: “ماذا لو؟”..
“عندما تريد شيئًا حقًا، فإن الكون كله يتآمر لمساعدتك على تحقيقه.” هذه ليست مجرد عبارة ملهمة، إنها قانون كوني، لكنها لا تعمل مع الذين ينتظرون، بل مع الذين يتحركون. العالم مليء بالفرص، لكنه لا يمنحها إلا لمن يملك الشجاعة ليسير نحوه حتى عندما يكون الطريق غير واضح.
الحياة تتحدث إلينا دائمًا، لكن قليلون فقط من يستمعون. قد تكون الإشارة في لقاء غير متوقع، في كلمة سمعتها صدفة، في فكرة خطرت لك وأنت على وشك النوم. لكن المشكلة أن الكثيرين يتجاهلونها، ينتظرون “اللحظة المناسبة”، يريدون ضمانات قبل أن يبدأوا. لكن الحقيقة التي تكشفها الخيميائي هي أن الطريق لا يُرى قبل أن تسير فيه. لا توجد خريطة جاهزة، بل إشارات مبعثرة، وعلى كل شخص أن يتعلم كيف يقرأها.
عندما وصل سانتياغو إلى الأهرامات، لم يجد الكنز. للحظة، شعر أنه خُدع، أنه سار في طريق عبثي. لكنه لم يكن يعلم أن الرحلة لم تكن عن الذهب، بل عن الشخص الذي أصبح عليه. في تلك اللحظة، أدرك الحقيقة التي لا يراها إلا من ساروا حتى النهاية: لم يكن الهدف هو الوصول، بل التغيير الذي يحدث أثناء السعي.
تمامًا كما جاء في القرآن، حين سأل النبي إبراهيم عليه السلام ربه: “رب أرني كيف تحيي الموتى”، لم يُجبه الله فورًا، بل سأله: “أَوَلَمْ تُؤْمِن؟” لأن الإيمان لا يكون بعد المعجزة، بل قبلها. النجاح لا يأتي أولًا، بل يأتي بعد أن تثبت للكون أنك مستعد له، بعد أن تُختبر، بعد أن تثبت أنك تستحقه.
“قبل أن يحقق الإنسان أسطورته الشخصية، فإن روح الكون تختبره لتتأكد من أنه يستحق ما سيحصل عليه.” هذه الجملة تلخص لماذا لا يصل الجميع، لماذا يبقى البعض عالقين بينما ينجح آخرون. ليس لأن النجاح صعب، بل لأنهم لم يصمدوا حتى النهاية. كم مرة بدأت شيئًا، لكنك توقفت عند أول عقبة؟ كم مرة حلمت، لكنك تركت الخوف ينتصر؟ كم مرة كنت قريبًا جدًا من النجاح، لكنك لم تعرف، فتراجعت؟
الخيميائي لا تقول إن الطريق سهل، لكنها تقول إن الخوف هو العائق الوحيد، ومن يجرؤ على تجاوزه، يصل.
حين عاد سانتياغو، لم يكن الكنز هو ما غيره، بل الرحلة نفسها. وهذا هو جوهر كل رحلة حقيقية: أن تصبح شخصًا مختلفًا وأنت في الطريق. نبدأ كأشخاص، لكننا ننتهي كأشخاص آخرين، لأن كل خطوة، كل خسارة، كل مغامرة، تغيّرنا بطريقة لا نراها إلا عندما ننظر للخلف.
السؤال ليس: “هل لديك حلم؟” بل: “هل لديك الشجاعة لأن تؤمن به، حتى عندما لا يصدق أحد غيرك؟” الحياة لا تمنحك ضمانات، لكنها تمنحك الفرصة لتقرر: إما أن تعيش كما يريد لك الآخرون، أو أن تصنع قدرك بنفسك.
وكما تقول الخيميائي: “الذين يسيرون بالإيمان، يصلون حتى قبل أن يروا الكنز.” فماذا ستختار؟ أن تبقى في مكانك، أم أن تبدأ رحلتك الآن؟.