تفكيك أوهام الهزيمة: قراءة نقدية في مزاعم “الإسلام المتعب”
أ. د. هاني الضمور
02-04-2025 03:47 PM
في زمنٍ تتزايد فيه المعارك الفكرية وتتسارع فيه وتيرة الصراع الأيديولوجي، تتكرر محاولات تشويه صورة الإسلام، سواء بالتشكيك في عقيدته أو بنشر دعاوى تهدف إلى إضعافه فكريًا وثقافيًا. ومن بين هذه المحاولات ما يُروّج له حول كتاب مزعوم بعنوان “الإسلام المتعب”، يُقال إنه يسعى إلى تقديم استراتيجيات لتقويض الإسلام من الداخل عبر بث الشبهات وإثارة الفتن في المجتمعات الإسلامية.
وبصرف النظر عن حقيقة وجود هذا الكتاب، فإن مجرد تداول أفكاره المزعومة يتيح الفرصة لكشف المغالطات التي يستند إليها الخطاب الذي يستهدف الإسلام، والرد عليها بمنطق عقلاني وحجج رصينة.
الادعاء بأن الإسلام دين “مرهق” يتجاهل حقيقة قدرته الفريدة على الصمود والتجدد، فقد واجه منذ أكثر من 1400 عام أزمات فكرية وسياسية واقتصادية لم تنل من جوهره، بل زادته صلابة. شريعته التي تقوم على الثوابت والمتغيرات مكّنته من التفاعل مع مختلف المراحل التاريخية دون أن يفقد هويته. والتاريخ يشهد على أن الحضارة الإسلامية لم تكن يومًا عالة على غيرها، بل كانت منارة علم وفكر، ولا تزال قادرة على تقديم حلول واقعية لتحديات الحاضر.
محاولة التشكيك في العقيدة الإسلامية ليست بجديدة، وقد سبقها كثير من الهجمات الفكرية منذ العصور الإسلامية الأولى وحتى اليوم. غير أن الإسلام ذاته شجع أتباعه على التدبر والتفكر، وهو ما يجعل محاولات الطعن في العقيدة ترتد غالبًا إلى أصحابها. وقد أثبتت التجربة التاريخية أن الردود العلمية المتزنة على الشبهات لا تزيد المسلمين إلا تمسكًا بإيمانهم، وثقة بمنهجهم.
الزعم بأن القيم الإسلامية عاجزة عن مواكبة العصر هو تجاهل لطبيعة الإسلام الأصيلة التي تمزج بين الثبات والتجديد. فالإسلام لا يقف حجر عثرة أمام التغيير، لكنه يرفض التنازل عن جوهره لصالح نزعات فردية متطرفة أو موجات فكرية آنية. وقد أسس القرآن الكريم والسنة النبوية لمنظومة أخلاقية تستوعب المتغيرات دون أن تذوب فيها. ولهذا السبب، استطاعت المجتمعات الإسلامية أن تحافظ على هويتها رغم كل محاولات الغزو الثقافي.
في السياق التعليمي، يُثار الحديث عن التأثير في المناهج كأداة لإضعاف الارتباط بالدين، غير أن الواقع يثبت أن المؤسسات التعليمية الإسلامية لا تزال تقدم فكرًا دينيًا متينًا، وتُخرّج علماء ومفكرين قادرين على الربط بين الدين والعقل. وبينما يشهد العالم تغيرات متسارعة، يظل التعليم الإسلامي أحد ركائز الثبات الفكري في وجه هذه التحولات.
أما فيما يخص إثارة الانقسامات داخل الأمة، فإن محاولات زرع الفتن الطائفية والسياسية ليست سوى امتداد لمحاولات تاريخية فشلت في تقسيم المسلمين بشكل دائم. صحيح أن هناك لحظات ضعف، لكن الأمة الإسلامية طالما استعادت وحدتها أمام التحديات الكبرى. ولنا في التاريخ عبر، من الحروب الصليبية إلى الغزو المغولي، حيث كانت وحدة المسلمين هي الدرع الذي حمى حضارتهم.
وفي النهاية، فإن الكتاب المزعوم، إن صح وجوده، لا يعدو أن يكون محاولة بائسة لإعادة تدوير أفكار انهزمت مرارًا. فالإسلام ليس دينًا منهكًا، بل هو دين القوة والتوازن، والقدرة على الاستمرار دون أن يفقد ذاته. والتاريخ والحاضر يشهدان أن محاولات زعزعة ثقة المسلمين بدينهم سرعان ما تنكشف، لأن الإسلام يحمل في جوهره ما يجعل أتباعه أكثر يقينًا كلما اشتدت الأزمات.
الإسلام لم يتعب، بل هو الدين الذي يستمد منه أتباعه طاقاتهم الروحية والفكرية في مواجهة عالم يتقلب على غير هدى.