facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




هل نحن في الجاهلية الثالثة .. لكن بربطة عنق؟


أ. د. هاني الضمور
04-04-2025 04:15 PM

في لحظة مفصلية من التاريخ، تقف الأمة العربية أمام مرآة الحقيقة بلا مساحيق، تتأمل ملامحها المتعبة، فلا تكاد تتعرف على نفسها. قديمًا، كانت الجاهلية فقرًا وتبعية للروم والفرس، تُفرض على العرب بقوة السيف والاستعمار، أما اليوم فهي جاهلية مُختارة، ناعمة، مغطاة بشعارات التنمية والسيادة، لكنها لا تخفي حقيقة الخضوع الطوعي للغرب بكل أشكاله.

تلك الجاهلية القديمة التي جاء الإسلام ليكسرها، ويصنع من أمةٍ مهمّشة أمةً شاهدة على الناس، لم تكن أبدًا قدرًا محتومًا، بل واقعًا تغيّر عندما قرأ العرب القرآن لا للتبرك، بل للقيادة. واليوم، وبينما رفوفنا مليئة بالمصاحف، طرقاتنا خالية من أثرها. القرآن موجود، لكن خارج القرار. في زمن الرسالة، كان القرآن يصنع الوعي، واليوم، الوعي يصاغ في غرف الأخبار ومنصات الترفيه وقاعات السفارات.

غزة، اليوم، لا تُقصف فقط. بل تُمتحن بها مواقف الأمة، ويُقاس بها عمق الانتماء. رفح تُمحى، الشهداء يتساقطون كأوراق الخريف، والمقاومة تستنزف آخر ما بقي من طاقتها، بينما عقول كثيرة انشغلت باتهام من يقاوم لا من يقتل. كأننا نعيش انفصامًا فكريًا، يجعلنا نكافح ضد الدخان، ونتجاهل النار.

يُبرر البعض صمته بأن “الدم العربي واحد”، وكأن المذابح تُقاس بالكيلومترات، لا بالعدالة. وكأن غزة خُرافة إعلامية أو ساحة تصفية حسابات مذهبية. وينسى هؤلاء – أو يتناسون – أن العدو واحد، والمخطط مستمر، والهدف هو الرأس لا الذراع، والعقيدة لا التنظيم.

بعض الأصوات التي تصدّرت المشهد العربي لم تكن سوى صدى لأجندات مشوشة. انشغلوا في فرز المواقف طائفيًا ومذهبيًا، وبدل أن يسألوا: من يُقصف؟ ولماذا؟ صاروا يسألون: من يدعم؟ وهل هو سني أم شيعي؟ وهل هذه المقاومة تابعة أم مستقلة؟ وكأننا في معركة انتقاء لا نجاة.

في خضم هذا الضياع، يعلو نداء القرآن، لكن لا أحد يسمع. يقول الله تعالى: “وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا” [الفرقان: 30]. وهجر القرآن لا يكون فقط بترك تلاوته، بل حين يصبح غريبًا عن الموقف، غريبًا عن القرار السياسي، غريبًا عن ضمير الأمة.

وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي.” لكننا لم نتمسك، بل تشبثنا بتحليلات الفضائيات، وتقارير المراكز الغربية، وتركنا مصدر العزة الحقيقي خلف ظهورنا، فصرنا نهيم على وجوهنا نبحث عن خلاص، بينما دليل النجاة بين أيدينا.

الجاهلية الثالثة ليست قادمة… بل نحن نعيشها. لكنها هذه المرة ترتدي بدلة رسمية، وتحمل جواز سفر دبلوماسي، وتعتلي المنابر بخطاب “التوازن والحياد”. جاهلية تعطل العقل، وتجعل من التفكير تهمة، ومن الموقف جريمة، ومن الانحياز للمظلوم شبهة طائفية.

نحن نعيش داخل صندوقٍ ضيق، سُدّت نوافذه باسم الواقعية، وأُغلقت أبوابه باسم “عدم الانجرار”. حتى بات من يُنادي بالحق متهمًا بالتخريب، ومن يرفض الصمت متهمًا بإثارة الفتنة، ومن يبكي غزة متهمًا بالتحزّب.

غزة ليست مجرد مدينة، بل سؤال مفتوح لكل ضمير حي:
من أنت؟
مع من تقف؟
ولماذا تصمت؟

إن لم يكن للقرآن اليوم أثرٌ في تشكيل الموقف، وإذا لم يهدنا إلى اتخاذ قرار أخلاقي في أوقات المحنة، فمتى يعمل؟
وإذا لم تكن دماء الأبرياء في غزة جرس إنذار لنعيد التفكير في جاهليتنا الجديدة، فمتى نصحو؟

نعم… نحن في الجاهلية الثالثة، لكن هذه المرة نخوضها باسم الحرية، ونصمت فيها باسم الحكمة، ونخسر فيها إنسانيتنا باسم “المصالح".





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :