في لحظات التحوّل، وحين يعلو صوت المآسي وتُحاصر المشاهد الإنسانية الضمير، يكون الوطن هو القضية الكبرى التي لا تحتمل التجزئة، ولا تقبل المزايدات. ما نعيشه اليوم من مشاهد موجعة، تتجاوز حدود التحمّل البشري، تفرض على الجميع إعادة النظر في أولوياتهم، وتحديد مواقفهم لا من منطلق الرأي، بل من منطلق الوعي والضمير والانتماء الحقيقي.

لقد أصبحت صور الضحايا، وأشلاء الأطفال، وصراخ الأمهات، ليست مجرد لقطات عابرة، بل جرحاً مفتوحاً في قلب كل من بقي فيه ذرة إنسانية. ومن الموجع أكثر، أن نجد البعض وقد تجاوز هذه الأهوال لينشغل بتفتيش النوايا، وتحليل خلفيات المشاركين في المظاهرات، وتوزيع الاتهامات الجاهزة حول المؤامرات والأجندات الخارجية.

إن من أخطر ما يمكن أن يواجهه أي وطن، هو أن يُستبدل صوت العقل بالتحريض، وأن يتم اختزال المشهد الإنساني إلى سجال إلكتروني حول شعارات وهتافات. فالرقيّ الوطني لا يُقاس بترديد عبارات الانتماء، بل بقدرتنا على الارتقاء فوق الخلافات، وتوحيد الصف حين يتعرض النسيج الاجتماعي للاهتزاز.

لا أحد فوق القانون، ولا أحد بمنأى عن المحاسبة حين يتجاوز حدوده، لكننا أيضاً مطالبون بأن نُبقي البوصلة في الاتجاه الصحيح، فالعدو الحقيقي ليس في اختلافنا، بل في انشغالنا بالصراعات الهامشية في وقت يُستنزف فيه وجداننا وذاكرتنا الإنسانية.

إن الأجهزة الأمنية في الأردن، بثقة واحترافية، هي القادرة على التقييم والمتابعة، ومحاسبة كل من يتجاوز. أما نحن، فمطلوب منا دورٌ آخر: الحفاظ على وعي المجتمع، وحماية النسيج الوطني من التمزق، وتوجيه البوصلة نحو الخطر الحقيقي الذي يهدد الجميع دون استثناء.

الاختلاف لا يُعيبنا، لكن الانقسام هو ما يكسرنا. فلنضع الوطن أولاً، ولنتعلم كيف نختلف بكرامة، ونتّحد بوعي، ونتجاوز الموجات العابرة بروح ثابتة تعرف أن ما يجمعنا أعظم بكثير مما يفرقنا.