facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




رواية "الطريق" وظلالها على غزة .. عندما يصبح البقاء هو المعركة الأخيرة


أ. د. هاني الضمور
08-04-2025 10:36 AM

في عالم تتكالب عليه الأزمات، حيث الكوارث تعصف بكل أشكال الاستقرار، لا تبدو رواية “الطريق” للكاتب كورماك مكارثي مجرد خيال أدبي عن نهاية العالم، بل تحولت إلى مرآة عاكسة لما يحدث اليوم في غزة. فمنذ لحظة العدوان المستمر، والحصار الذي يخنق الأنفاس، أصبحت الحياة في غزة أشبه بطريق مكارثي: رماد، رعب، وركام إنساني يبحث عن معنى للبقاء.

الرواية، التي صدرت عام 2006، تسرد حكاية أب وابنه يسيران في أرض مدمّرة، لا يسندها نظام ولا تحتكم لقانون. في غزة، نرى القصة تتكرر، لا في الأدب، بل في الواقع. الآباء يحملون أطفالهم بين الأنقاض، ليس فقط لحمايتهم من القصف، بل للحفاظ على بقايا إنسانيتهم، على فكرة أن هناك “نارًا” ما يجب أن تظل مشتعلة، كما كان الأب يكرر في الرواية: “نحن نحمل النار”.

مكارثي لم يكشف في روايته عن سبب نهاية العالم، لأنه أراد التركيز على ما بعد الانهيار، على الإنسان حين تتجرد الحياة من مقوماتها الأساسية. وغزة اليوم هي صورة لهذا “ما بعد”، حيث كل شيء أصبح هشًا: الماء، الكهرباء، الطعام، وحتى الأمل. الناس لم يعودوا يقاتلون من أجل وطن أو قضية فحسب، بل من أجل وجبة، جرعة دواء، أو لحظة نجاة.

في الرواية، يظهر الانقسام بين من لا يزال متمسكًا بأخلاقه، ومن أصبح صيادًا للبشر. وهذا الانقسام نراه اليوم في طريقة تعامل العالم مع غزة: من لا يزال يرى في سكانها بشرًا يستحقون الحياة، ومن ينزع عنهم إنسانيتهم ليبرر القتل والتجويع. وهنا يتكرر السؤال المؤلم الذي تطرحه الرواية: ما الذي يبقي الإنسان إنسانًا في عالم منهار؟

الرؤية التي تقدمها “الطريق” عن المستقبل القاتم أصبحت واقعًا يُعاش في غزة. كل ما كان يُظن أنه مجرد تحذير خيالي، يحدث الآن: عالم بلا قانون، بلا عدالة، بلا ملامح. وفي هذا الخراب، لا تصبح الأسئلة عن النجاة فقط، بل عن الثمن الذي ندفعه لنظل أحياء، وعن نوع الإنسان الذي نتحول إليه في هذه المعركة الأخيرة.

اليوم، حين نتابع صور غزة: الأب الذي يبحث عن أطفاله بين الركام، الأم التي تطهو فوق نار الحطب، الطفل الذي يبتسم رغم الألم، ندرك أن ما كتبه مكارثي ليس خيالًا بعيدًا، بل احتمال دائم في زمن لا يرحم. والأسوأ من الدمار، هو أن تفقد القيم، أن تصبح النجاة على حساب الآخر، وأن تموت الإنسانية قبل أن يموت الجسد.

لكن رغم كل هذا، كما في نهاية الرواية، يبقى هناك أمل صغير، هش، لكنه حقيقي. غزة، رغم كل الظلام، لم تفقد قدرتها على الحلم، على العطاء، على الدفاع عن معنى أن تكون إنسانًا. وما دام هناك طفل يحمل هذا النور، فربما لا تزال النار مشتعلة.

وهكذا، تتحول رواية “الطريق” من عمل أدبي إلى شهادة حية على ما يحدث في غزة اليوم. سؤالها لم يعد “ماذا لو انهار العالم؟”، بل “ماذا سنفعل عندما يحدث ذلك؟”… وفي غزة، الجواب يُكتب كل يوم، بالدم، بالصمود، وبإرادة لا تزال تؤمن أن الإنسان، مهما احترق العالم من حوله، يمكنه أن يظل إنسانًا.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :