العَلَم بين الرمز والهوية
لانا ارناؤوط
16-04-2025 10:07 AM
لم يكن العَلَم يومًا مجرد راية ترفرف فوق سارية ولم يكن مجرد لون وشكل يُحدّد في القوانين بل كان دومًا انعكاسًا لوجدان الشعوب ظلًا يرافقها في السلم والحرب رمزًا للأمل حين تشتد الأزمات ودليلًا على البقاء حين يتراجع كل شيء.
بدأت فكرة العَلَم في التاريخ الإنساني كوسيلة لتمييز الجماعات عن بعضها في المعارك وللدلالة على الولاء والانتماء فكان لكل قبيلة أو إمبراطورية راية خاصة بها ترفعها في الميدان وتقاتل تحت ظلّها لا فرق بين سيف وجناح وبين راية وسماء كان العَلَم يشبه وجوههم يشبه ترابهم يشبه أحلامهم.
ومع تطوّر الدول وتشكّل الهويات السياسية والاجتماعية أصبح العَلَم مرآة للهوية الوطنية لا يكتمل وجود الدولة دونه ولا تكتمل صورة الوطن إلا به صار يُرفع في المحافل ويرافق السلام الوطني ويُغطّي أجساد الشهداء ويُلّف به المجد والحزن معًا.
العَلَم العربي نشأ في قلب التاريخ المشتعل نهض من رماد الثورات ومن وهج الحلم العربي الكبير وكان العلم الأردني ابنًا لهذا السياق العظيم استمد ألوانه من راية الثورة العربية الكبرى الأحمر والأسود والأبيض والأخضر وجعل منها رموزًا لمعانٍ لا تموت يجسّد الأحمر دم الشهداء ويذكّرنا بأن الكرامة لا تُشترى الأبيض يعبّر عن النقاء والسلام الذي ننشده واللون الأسود يحكي عن ماضٍ قاتم اجتزناه والأخضر يحمل أمل الحياة ونبض الأرض التي لا تنضب.
كل زاوية في العلم الأردني لها قصة كل لون فيه له تاريخ وكل رفرفة منه تنبض بالحياة وحين وُضع المثلث الأبيض في العلم ليتّسع فيه نجم سباعي لم يكن ذلك تفصيلًا جماليًا بل رسالة من وطن يُقدّس مبادئه فالنجم يرمز إلى وحدة الشعب إلى الإيمان والإنسانية إلى الكرامة والعدالة إلى الفضيلة والعزم والحكمة وكل هذه القيم ليست محصورة في كتب بل حيّة في أرواح الأردنيين في صبرهم في نبلهم في وعيهم.
وحين يُحتفل بيوم العَلَم الأردني في السادس عشر من نيسان لا يُحتفل بقماش بل بتاريخ من الصمود بتاريخ من الوحدة والوعد والوفاء يُحتفل براية حملت معها الأردن من الثورة إلى الدولة ومن الرمال إلى الحضارة من الخيمة إلى المؤسّسة.
واليوم يأتي هذا الاحتفال في لحظة حساسة بعد أن استُهدف الأردن بمخطط إرهابي أراد أن يهزّ أمنه وأن يزرع الرعب بين أبنائه فجاءت راية الوطن لترد وتقول إن الأرض لا تهتز ما دام العَلَم مرفوعًا وإن الأردنيين حين يلتفون حول رايتهم فإنهم يتحدّون الشر بالإرادة والظلام باليقين والخراب بالبناء.
في لحظة كهذه يصبح العَلَم أكثر من رمز يصبح عهدًا جديدًا نكتبه في قلوبنا بأننا سنحمي هذا الوطن لا بشعارات، بل بالوعي بالفعل بالصبر بالتفاؤل يصبح العَلَم ذكرى لمن ضحّوا وأمانة في أعناق من بقوا ووعدًا للأجيال القادمة بأن الراية لن تُنكّس ما دامت القلوب تخفق بحب الوطن.
لهذا العَلَم لا نحتاج إلى شِعر كي نمجّده ولا إلى احتفالات ضخمة كي نمنحه مكانته يكفي أن نرفعه بصدق أن ننظر إليه بإيمان أن نعلّمه لأبنائنا لا كمعلومة، بل كقيمة كجزء من ذاكرتهم ومن حقيقتهم.
العَلَم لا يُرفع فقط فوق السارية، بل يُرفع في سلوكنا في أخلاقنا في عملنا حين نخلص حين نحب حين نحمي حين نبني كل ذلك هو امتداد للعَلَم ووفاء له
ففي هذا اليوم وكل يوم حين نرى العَلَم الأردني يرفرف فوق كل مبنى وكل مدرسة وكل قلب فلنعرف أنه ليس مجرّد راية، بل هو نحن حين نكون على قدر الحلم وعلى قدر الأرض التي أنجبتنا.