لا اعتقد يوجد من يكره فلسطين ، كأرض ، كتاريخ ، كحضارة و تراث و بحر و شجر و أرض و فسيفساء و مساجد و كنائس و معابد ، لا اعتقد أيضا أن من يبغض فلسطين يستطيع أن ينكر جمالها ، تنوّعها الثقافي ، تنوع المائدة و الازياء التراثية و الثقافات الناتج عن مكوّن ديني أصيل و متنوع و متشعب من مسلم و مسيحي و يهودي و غيره ، عاشوا حياة طبيعية إلى حدّ كبير لقرون من الزمان.
حبّ فلسطين لا ينطلق فقط من مبدأ ديني تابع للأديان السماوية ، بقدر ما ترتبط مع الشعوب بعلاقة وجدانية ، قد تكون لما مرّت به طوال القرن الماضي ، قد تكون بسبب قربها لدول شرق المتوسط ، قد تكون بسبب علاقة الدم و النسب ، مهما تكن الاسباب ، يبقى حب الشعوب لها ثابتا و راسخا.
لكن ، حبّ فلسطين شيء ، و الذهاب أبعد من الحبّ نحو التدمير شيء آخر مختلف تماما ، في الماضي قبل عقود من الزمن ، عندما خاضت الدول العربية معارك و حروب اسنادا لفلسطين و رغبة في تحريرها ، كانت المعطيات مختلفة ، كانت الظروف واحدة ، كان السلاح بيد العدو و المقاوم و المساند تقريبا هو ذاته ، لذلك كان التفاوت و الميزان يميل و يتأرجح حسب الثبات و نجاعة الخطط و تأثير الروح الوطنية و النزعة الدينية.
اليوم الأمر مختلف تماما ، و هذا جزء من الحل الاقتناع التام باختلال موازين القوى لأنّنا كعرب خلال عقود مضت لم ننكب يوما على السلاح و التصنيع و الانتاج بشكل فعال مستقل تماما ، لذلك اتسع الاخدود بيننا و بين الغرب و اسرائيل ، لدرجة بتنا ننتصر عندما نغتنم سلاحهم لنحاربهم به.
هذا الاعتراف الضمني بوجود تفاوت ليس استسلاما أو اذعانا بالهزيمة ، بقدر ما هو حقن للدماء و ابتعاد عن هدر كارثي للموارد و البشر و الشجر و الحجر ، فأي نِزال سندخله بسلاح يصنعه _ العدو_ ؟ هل نضمن أن طائراتهم لا تتوقف في معركة ما و تستدير تلقائيا لتضربنا؟ هل نضمن أن تنطلق الصواريخ كما يطلب منها؟
ما العمل؟ أنجلس متفرجين؟ بالتأكيد لا ليست هي الغاية ، لكن آن الاوان أن تدخلنا هذه الازمة و ما ترتب عليها في قنوات التفكير ، الانتاج ، كسر التابوهات التي توضع أمام كل من يفكر ، و تكفير كل من ينطلق خارج الصندوق باتت سلعة جالبة للدمار ، نحن نحبّ فلسطين و لكن لن ننصهر دفاعا عنها ما دمنا نعرف النتيجة مسبقا.
حتى السابع من اكتوبر ، و مع شرعيته الكاملة كعملية مقاومة و دفاع عن حق و رغبة بالتحرر ، هل لم تكن النتيجة واضحة؟ هل كانوا يتوقّعون صواريخا من الورود ستنهال بها اسرائيل على القطاع؟ و هل إن كان المتوقع اسنادا عربيا ، هل كانت ستتجهز الجيوش في ساعات دون تنسيق و اعلام مسبق؟ و إن حدث هذا هل ستختلف النتيجة ؟ أم سيكون الدمار أوسع كما حدث في لبنان و سوريا و اليمن؟
فلسطين و قضيتها لن تحلّ اليوم بحلول الماضي ما دام التفاوت كبير ، لا نستطيع أن نواجه الاسلحة الليزرية و المتقدمة بالحَربات و الادعية _فنحن لسنا في باب الحارة _ ، لن نجني سوى الهزيمة تلو الهزيمة و ضياع الارض مترا بعد متر.
الحل واضح و يبدأ من المدارس ، يبدأ من الجامعات ، يبدأ بثورة فكرية حقيقية لا سياسية ، انتفاضة علمية تضعنا في مصاف الدول المتحضرة ، اليابان سحقت تماما ، سنغافورة وصلت إلى القاع ، ماليزيا تشتت ، الصين ذاقت الفقر ، كل الدول هذه وصلت إلى ما هو أدنى من الصفر ، و اليوم تقف صلبة كلمتها مستقلة إلى حد كبير.
نحبّ فلسطين و لكن لن نضحي بدولنا من أجلها ، لن تتدمر حواضرنا مع علمنا المسبق بالنتيجة ، لن ندخل معركة اصحابها منقسمون يختلفون في ما بينهم .
المشكلة و الطامّة الكبرى ، أن شمّاعة فلسطين كانت السبب في توغّل السرطان نحو الدول ، فعذر القضية أدخل ايران في مفاصل بيروت و ذات العذر جعل من سوريا أرضا مستباحة ، و ذات العذر جعل اليمن السعيد حزينا و ذاته اتعب العراق و نهبه ، و ذاته اليوم يستخدم للوي ذراع الاردن ، للتأرجح ما بين (دعم المقاومة _بصواريخ كرتونية أو وسم الخيانة) هذا ما لا يدركه البسطاء من الشعوب العربية التي تنساق نحو العاطفة و تغيّب العاطفة..
لذلك نحن نحبّ فلسطين ، و لكن من واجبنا الحفاظ على بلداننا.