لو عاد روح الله… لكان في غزة لا في قاعات البيت الأبيض
أ. د. هاني الضمور
20-04-2025 07:26 AM
لو شاء الله، وعاد سيدنا عيسى عليه السلام إلى هذه الأرض مرة أخرى، لما دخل على الزعماء بموكب، ولا جلس في القصور بين صفقات السلاح، بل لذهب إلى غزة حافي القدمين، يجلس عند رُكام البيوت، يُربّت على أكتاف الأيتام، ويمسح بيده المباركة على رؤوس الأطفال الجرحى، ثم يرفع بصره إلى السماء ويهمس: “سلامٌ عليكم… أنتم الشهداء الحقيقيون”.
عيسى عليه السلام، نبي الرحمة والطهر، لو رأى رايات أمريكا تُرفرف فوق طائرات الموت، تسحق بها أهل فلسطين، وتدّعي باسم “الحرية” أنها تحمي العالم، لوقف في وجههم لا متوسلًا بل ناصحًا وغاضبًا، وقال:
“أبهذا البارود تبنون السلام؟ أبهذه الصواريخ تحرّرون المظلوم؟! ما لهذا أُرسلت، وما هكذا علّمتكم السماء.”
لسار إلى بوابات البيت الأبيض، لا حاقدًا، بل حاملاً همّ الأبرياء، وقال بلهجة الأنبياء الصادقة:
“أنتم لم تتبعوا رسالتي، بل خنقتموها تحت وطأة المصالح. صلبتم الحق في غزة، ودفنتم المحبة تحت تراب الأنقاض.”
إنه عيسى عليه السلام… من كان يُحيي الموتى بإذن الله، فهل يرضى لأمة تدّعي الإيمان به أن تُموت ضمائرها كل يوم؟ هل يرضى أن تُبارك الدمار في أرضٍ باركها الله، ويُسفك فيها الدم الطاهر تحت ستار الدعم السياسي؟
لو عاد بيننا، لوقف في مجلس الأمن لا ليُساير، بل ليشهد، ويقول لكل من صمت أو أيّد:
“أيها المدّعون للسلام، كيف تنامون وأصوات الاستغاثة تصل إلى السماء؟ أي ربٍ تعبدونه، ورضيعٌ يُنتشل كل لحظة من تحت الركام؟!”
لم يكن عيسى عليه السلام نبي القصور، بل نبي الجراح. لم يكن صاحب تاجٍ يُشار له بالبنان، بل صاحب قلبٍ يُشار له بالبكاء.
ولو عاد اليوم، لما وقف في كاتدرائية تحمل اسمه وتغضّ البصر عن المذبحة، بل كان سيصلّي في أزقة غزة، يركع بين الأنين، ويسجد قرب خيمة أُمٍّ فقدت أبناءها، ويقول لها:
“يا أمةً مجروحة، اصبري، فإن الله لا ينسى أحدًا من عباده الصادقين.”
ثم يرفع صوته عاليًا، على كل من ادّعى اتباعه وهو يدعم الظالم، ويقول لهم:
“أنتم لستم من أمتي، إنما أتباعي من يقفون مع الحق، لا من يصافحون القتلة، ويسمّون ذلك سياسة.”
عيسى عليه السلام ما جاء ليبارك الملوك على حساب المظلومين، بل جاء ليقلب موائد الظلم، ويُسقط العروش التي بُنيت على صرخات الأطفال.
ولو رأى أمريكا، تزعم أنها تمثل النور، بينما يعلو صراخ الغزيين من ظلمات القصف، لقال:
“العدل لا يُصنع بالقنابل، والرحمة لا تُشترى بالدولار، ومن يبيع سلاحًا يقتل به الأبرياء، لن يجد في قلبي مكانًا.”
ولو عاد اليوم، لكان عربي اللسان في صلاته، فلسطيني الوجدان في دعائه، غزيّ القلب في موقفه.
لكانت رسالته واحدة: أن السلام لا يكون مع الطغيان، وأن المحبة لا تُثبت بالكلام بل بالوقوف مع المظلوم.
وأن من يرضى بالظلم أو يشارك فيه، فليس من أتباعه وإن صلى باسمه ألف مرة.
سلام على عيسى، في ميلاده وموقفه.
سلام على من لم يخن الرسالة، ولم يساوم على الدم.
سلام على كل من لا يزال يرى النور رغم هذا الظلام.