توجيه المواطنين في كيفية التعامل مع الحسابات الإلكترونية الوهمية
المحامي علاء أبو سويلم
21-04-2025 10:03 AM
إننا ونحن نعيش في هذا العصر الحداثي، الذي يشهد تطورات متسارعة، وبخاصة في مجال ثورة تقنية الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والذي أصبح فيه العالم قرية كونية صغيرة، والأردن جزء لا يتجزأ منه وليس بمنأى عما يدور حوله من تطورات، لذلك يجد نفسه وجهاً لوجه أمام تحديات غير مسبوقة، لم تعد سياسية أو اقتصادية أو أمنية فحسب، وإنما أصبحت حرباً إلكترونية تتفشى بسرعة متناهية، وتقودها مؤسسات أو جهات دولية لتحقيق مآرب خبيثة، وذلك عبر إنشاء آلاف من الحسابات الإلكترونية الوهمية عبر منصات التواصل الاجتماعي، وبخاصة في ظل تطور أساليب الجرائم الإلكترونية يوماً بعد يوم.
والأمر الذي لا شك فيه، ولا ريب يعتريه، هو أن هذه الحسابات الإلكترونية الوهمية، والتي تُدار بتوجيه - بحسب المعلومات الصادرة عن الجهات المختصة - من خارج الحدود وعابرة للقارات، قد باتت أداة فعّالة في محاولات يائسة للنيل من استقرار المملكة وزعزعة ثقة المواطن بالدولة، وذلك عبر بث الإشاعات المضللة الكاذبة، واغتيال الشخصيات الوطنية، وإثارة الفتن الداخلية وتأجيج المشاعر الشعبية، والتشكيك في قدرة مؤسسات الدولة على القيام بواجباتها على الوجه الأمثل، منتهزين خطورة الأحداث التي يشهدها الإقليم، وتداعيات استمرار العدوان الإسرائيلي الغاشم على أشقائنا في قطاع غزة، والدعوات إلى تهجيرهم إلى دول الجوار.
ومما ينبغي لفت الانتباه إليه هنا، هو أن منصات التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك” و”تويتر” و”تيك توك” قد تحولت إلى جبهات مفتوحة، تستخدمها ما تُعرف بـ”الجيوش الإلكترونية” لإطلاق حملات ممنهجة وموجهة للتأثير على الرأي العام. وبحسب تقارير دولية متخصصة، فإن بعض هذه الحسابات تُدار من دول لديها مصالح مباشرة في زعزعة أمن الأردن واستقراره، أو من أطراف أخرى تسعى لإرباك الداخل الأردني عبر خلق واقع افتراضي مغاير للواقع، وذلك جراء تمسك الأردن - ملكاً وحكومةً وشعباً - بمواقفه تجاه نصرة مختلف قضايا أمتنا العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي يعتبرها الأردن قضيته المركزية.
ولا بد أيضاً من ضرورة لفت الأنظار إلى التمعن والتبصر في أهداف وغايات إنشاء مثل هذه الحسابات الإلكترونية الوهمية وأساليبها، والتي هي دون أدنى شك تستهدف في المقام الأول نشر الشائعات والأخبار الكاذبة، وذلك لإثارة القلق المجتمعي، مثل الادعاءات حول وجود أزمات اقتصادية أو أمنية وهمية، وإثارة النعرات الطائفية أو العنصرية، وذلك عبر بث خطاب كراهية مُوجَّه، خاصةً في فترات التوتر الإقليمي ونشوب الأزمات.
ليس هذا فحسب، وإنما تطور الأمر إلى تفشي ظاهرة الابتزاز الإلكتروني، والذي يتمثل في سرقة بيانات شخصية عبر روابط وهمية مثل صفحات مزورة لتطبيق سناب شات، وذلك من أجل ابتزاز الضحايا مالياً أو معنوياً، هذا فضلاً عن انتحال الهوية الرسمية كإنشاء حسابات وهمية تماثل أو تطابق حسابات ومواقع مؤسسات حكومية أو هيئات إعلامية - وما شاكل ذلك - بهدف نشر معلومات مضللة وعارية عن الحقيقة.
وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى الجهود الأمنية الحثيثة التي تُبذل على مدار الساعة لتعقب مصدرها ومكافحتها، وفي الوقت ذاته توضيح الإجراءات التشريعية لمواجهتها ومحاسبة مرتكبيها، وذلك وفق أحكام القوانين النافذة والتي تم تشريعها لهذه الغاية. والشيء بالشيء يُذكر، فالأردن يعتمد على آليات متعددة للتصدي لهذه الحسابات، وفي مقدمتها وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية، والتي تأسست عام 2008 بتوجيهات ملكية سامية، وذلك بهدف تعقب الحسابات المشبوهة بالتعاون الوثيق مع دائرة الادعاء العام، وذلك لملاحقة المنشئين والمتفاعلين معها، وقد تم إحالة العديد من هؤلاء إلى القضاء ونالوا الجزاء العادل.
هذا، ولم يكتفِ المشرع الأردني بذلك، وإنما سن قوانين صارمة ومشددة، وذلك مثل قانون الجرائم الإلكترونية المعدل رقم 27 لسنة 2015، والذي يُجرِّم نشر أي خطاب مُثير للفتنة، وحدد عقوبات جزائية قد تصل عقوبتها إلى ثلاث سنوات حبس، هذا فضلاً عن غرامات قد تصل قيمتها المالية إلى عشرة آلاف دينار أردني.
ومع تنامي هذه الظاهرة وتفشيها أكثر فأكثر، فقد صدر عام 2023 قانون معدل (ويحمل رقم 17)، والذي بموجبه تم توسيع تعريف الجرائم الإلكترونية ليشمل نشر الأخبار الكاذبة أو إعادة نشرها، أو الإساءة إلى كل ما يتعلق بقدسية الدين.
وهنا لا بد من الإشادة بجهود مديرية الأمن العام - ممثلة بوحدة الجرائم الإلكترونية - وذلك لدورها الريادي المتميز في التوعية المجتمعية، والتي دأبت منذ تأسيسها على إطلاق حملات دورية تنويرية وتحذيرية للمواطنين، وذلك من مغبة التعامل مع الروابط الوهمية، وتشجيعهم على استخدام المصادقة الثنائية لحماية الحسابات.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، على الرغم من الإجراءات القانونية والاحترازية التي اتخذتها الدولة الأردنية، تواجه تلك الجهود تحديات متعددة، وذلك مثل الطابع العابر للحدود، والذي يصعب مهمة تعقب الحسابات المُدارة من دول أخرى، خاصةً في ظل استخدام تقنيات إخفاء الهوية.
وهنا ينبغي ألا يغيب عن أذهاننا لحظة واحدة أهمية دور المجتمع في التصدي لذلك التهديد، فالمواجهة لا تقتصر على الجهات الرسمية، وإنما تشمل التفاعل الواعي والمسؤول من قبل المواطنين، وذلك من خلال التحقق من مصادر المعلومات قبل نشرها، وتجنب المشاركة أو التعليق على المحتوى المُثير للشكوك، وبناءً عليه ولمواجهة هذا التحدي، بات من الضروري تعزيز الوعي الرقمي لدى المواطنين، وتكثيف حملات التثقيف حول خطورة الحسابات الوهمية، وأهمية التحقق من مصادر الأخبار المنشورة، وفي الوقت ذاته ينبغي إبلاغ السلطات الحكومية المختصة، وذلك لتتبع هذه الحسابات أولاً بأول، من أجل محاسبة وملاحقة كل من يقف وراءها، هذا فضلاً عن تعزيز أدوار الإعلام الوطني المسؤول، والذي يوازن بين نقل الحقيقة وحماية الأمن القومي على حد سواء.
وهنا ينبغي على كل مواطن الإبلاغ الفوري عن هذه الحسابات المشبوهة، وذلك عبر الاتصال برقم هاتف وحدة الجرائم الإلكترونية الموحد (065633404) أو التوجه إلى أقرب مركز أمني.
وأخيراً وليس آخراً، بالتوازي مع الجهود الأمنية المبذولة لمكافحة هذه الجرائم في الشبكات الإجرامية في الداخل، ينبغي تعزيز أواصر التعاون الإقليمي والدولي لمتابعة وترصد الجرائم العابرة للحدود بسرعة متناهية، وهذا الأمر يستدعي بالضرورة تحديثاً مستمراً للقوانين، واتباع أحدث الوسائل المتبعة عالمياً لمكافحة مثل هذه الجرائم، والتي تتغير أساليبها يوماً بعد يوم.