من المنطقي والطبيعي، عندما يقع الانسان في مأزق، عندما يمسي في حرب لم يطلبها، عندما يمرّ بظرف صعب، عندما وعندما وعندما، يصبح رقيق القلب، طيّب السريرة، معسول اللسان، يفكّر الف مرة ومرة قبل أن ينطق بحرف، يجامل الناس، والأهم "يصمت" عندما يختلف مع احدهم في الفكر أو العقيدة أو العادات والتقاليد.
هذه العادة، التي من الممكن قد سادت مثلا في اليابان بعد ما مسح وجهها الجميل النووي البغيض، أو ماليزيا بعد أن نهضت، للأسف وكأنّها لم ومن الواضح لن تصبح نهجا في عالمنا العربي، فما مررنا ونمرّ به كل يوم يزيدنا قسوة وحقدا وجشعا وكرها وسوادا، لا يجعلنا رحماء وبسطاء، أو تغيّر طريقة تفكيرنا قليلا.
من وجوه التناقض، هو أننا كعرب تفاخرنا أشد التفاخر بأنّ العواصم الغربية انتفضت أكثر منّا لأجل غزة، وبأنّ الشارع العربي لم يثُر كما الغربي، لكن في ذات الوقت لا نفكّر ولو لثوان معدودة في كل حرف قبل أن يُنطق.
خبر طبيعي "وفاة رأس الكنيسة الكاثوليكية" البابا فرنسيس الثاني، سيمر مرورا طبيعيا عند الشعب الصيني، في اليابان، في امريكا، في جنوب افريقيا، في القطب الجنوبي، قد يخرج منهم من ينتقد اداء البابا، يتحفّظ على فعل ما، موقف ما، لكن أشك أنّ احدهم سيقول "جهنم وبئس المصير" لا اتوقع أن تعليقا ك "حطب جهنم" سيكتب إلّا باللغة العربية، التي هي واحدة من اجمل لغات العالم في التعبير عن المشاعر الانسانية النبيلة واكثرها كرما وتشعّبا بالمفردات.
تختلف مع أي شخص في العقيدة، قل خيرا أو اصمت، تختلف معه في الفكر، قل خيرا أو اصمت، تراه ذاهبا لجهنم، قل خيرا أو اصمت فما حاجتك للتعبير بقسوة إن كنت ضامنا طريق الجنان؟
فالصمت يعطي انطباعا حسنا، لا يجعل من يراك أو يقرأ زبدة افكارك ينفر ويشمل جميع من يشبهك بذات الصفة.
الطامّة الكبرى، والكارثة التناقضية، أننا كعرب نعيش على انتاج الغرب، نأخذ منهم كل شيء حرفيا، بحجة أننا "اصحاب العلم" بيد أن العلماء العرب في اغلبهم إما أن قُتلوا في عهدهم أو تم نفيهم أو في احسن الاحوال كُفّروا واتهموا بالهرطقة، فجيل اليوم الذي ينسب ابداع الغرب للأصل العربي، لو عاد إلى الوراء، لرأى من يفتخروا بهم اليوم كيف كان مصيرهم في السابق.
غاليليو غاليلي، واحد من العلماء والمخترعين الكبار الذين عُذبوا بسبب تعارض "الدين والعلم" فنُكّل به من قبل قيادات الكنيسة إلى أن انتهى نهاية مأساوية، لكن الفاتيكان خرج واعتذر له واعترف بخطأ الكنيسة بعد قرون من وفاته، فالحق الادبي لا يسقط بالتقادم.
أين نحن اليوم من هذا؟ متى نستفيق ونعتذر لانفسنا عن هذه الممارسات من تكفير وتحقير ورجم وقذف ودعاء وشماتة؟ والتي لم تشفع لنا لعدم القيام بهذه الاعمال قرون من الحروب والاقتتالات!
في النهاية ولله الحمد، لا زال هنالك عقلاء، رحماء، بسطاء في التفكير والتعامل، انقياء سريرة يتمنون الخير للجميع والرحمة للجميع، فلا أحد يملك ابواب الجنة.
البابا فرنسيس مثلا الذي توفي اليوم، لم يعاد احدا، لم يخرج ليكفر احدا، بل على العكس كان رجل سلام وتواضع وتقارب مع جميع الاديان، غزة وما يحدث بها كانت من آخر كلماته..