المرأة بين مطرقة الغرب وسندان الشعارات
أ. د. هاني الضمور
22-04-2025 07:21 AM
* انتهاكات صارخة وتصدير لأفكار مسمومة
في زمن يتسابق فيه العالم للظهور بمظهر المدافع عن حقوق الإنسان، تتصدر الدول الغربية المشهد بوصفها “الوصي الأخلاقي” على قضايا المرأة، وتمنح نفسها الحق في تقييم المجتمعات، وانتقاد ثقافات الشعوب، والتدخل في خصوصياتها تحت شعارات كاذبة مثل “التمكين”، و”المساواة”، و”التحرر”. لكن الحقيقة أن تلك الشعارات لا تخفي وراءها إلا نفاقًا فاضحًا وانتهاكات صارخة تُمارَس يوميًا على النساء في شوارع باريس، وأزقة نيويورك، وضواحي لندن.
الحرية التي تُباع للمرأة الغربية لم تكن يومًا حقيقية، بل مشروطة ومعلبة. فالمرأة هناك وإن خرجت للعمل، وامتلكت القدرة على الاستقلال الاقتصادي، إلا أنها تُسحق تحت ضغط الاستهلاك، وتُستغل إعلاميًا وجسديًا في صناعات الترفيه والإعلانات، وتُقاس قيمتها بمدى جاذبيتها لا بقدرتها أو علمها. آلاف النساء يُجبرن على العمل في بيئات مليئة بالتحرش، ومليئة كذلك بالتهديدات النفسية إن حاولن الشكوى. الأرقام التي تصدرها مراكز الأبحاث الغربية نفسها تشير إلى نسب مفزعة: امرأة من كل ثلاث تتعرض لعنف جسدي أو جنسي خلال حياتها، ومع ذلك، لا أحد يحرك ساكنًا.
المرأة الغربية ليست “حرة”، كما يُروّج، بل خاضعة لسلطة المال، وجماليات الإعلام، وثقافة تُشوّه الأمومة وتصف الزواج بأنه قيد، وتعتبر الأسرة عبئًا على طموح المرأة. وهنا تبدأ محاولات تصدير هذه المنظومة السامة إلى المرأة العربية.
بدل أن تُشجّع المرأة العربية على العلم والإنتاج والنهضة ضمن بيئتها وهويتها، يتم تسويق مفاهيم مثل: “استقلالك يعني التمرد”، و”نجاحك لا يكتمل إلا إذا تخليتِ عن الأسرة”، و”أبوك وزوجك خصمان لحريتك”. إنها محاولة ممنهجة لتفكيك البناء الأخلاقي والاجتماعي العربي، وإعادة تشكيله على صورة مجتمعات فقدت بوصلتها منذ زمن.
إن أخطر ما تفعله هذه المنظمات والدول هو تزييف الوعي، وتقديم أنماط منحرفة على أنها نماذج يُحتذى بها. يُقال لفتاتنا العربية: كوني مثلها، تحرري من قيودك، اخرجي من ظلك، بينما تُخبّأ الجرائم التي تُرتكب بحق المرأة الغربية خلف جدران صامتة، أو تُجمّل في تقارير دبلوماسية.
لماذا لا تتحدث هذه الدول عن آلاف النساء المشردات في الغرب؟ عن تجارة الأعضاء التي تقع ضحيتها المهاجرات؟ عن السجينات اللاتي يعانين في صمت بسبب قوانين جائرة؟ ولماذا لا تُدرّس هذه “النماذج” في ورش التمكين التي تُقام لدينا في عواصمنا العربية؟
المرأة العربية لا تحتاج إلى أحد يعلمها كيف تنهض، ولا إلى وصفات مستوردة تدّعي الرقي بينما تسلبها هويتها. نهضتها تكون بالعلم، بالإيمان، بالعدل، وبالمكانة التي أعطاها الله إياها، لا بشعاراتٍ تشعل الصراع داخل الأسرة، وتحوّل المرأة إلى كيان غاضب دائمًا، باحث عن عدو لا وجود له.
إذا كان الغرب جادًا في احترام المرأة، فليبدأ بتنظيف بيته أولًا. فالتاريخ لن يرحم من تاجر بقضية عادلة ليزرع بذور الانقسام داخل مجتمعات غيره.