بين الوطنية والتأمر .. لا مكان للحياد
د. مثقال القرالة
23-04-2025 06:22 PM
عندما يتعلق الأمر بالأمن الوطني، لا مجال للمجاملة، ولا مكان للحياد، ولا وجود لما يسمى بالمنطقة الرمادية. المسألة ليست قضية رأي أو اجتهاد أو تباين في وجهات النظر، بل هي مسألة وجود، وكرامة، وسيادة وطن، ومستقبل أمة. ففي اللحظة التي يُهدد فيها أمن الأردن، يصبح الصمت خيانة، والتردد تواطؤًا، والمواقف الرمادية غطاءً للفوضى والتآمر. لقد تعلّم الأردني عبر التاريخ أن الوطن ليس مجرد قطعة أرض، بل هو شرف وعقيدة ودماء شهداء. هذا الوطن المبارك الذي تحتضن ترابه دماء الصحابة والأولياء والأنبياء، لا يحميه إلا الأوفياء الصادقون، المؤمنون بأن الحفاظ على أمنه واجب شرعي ومبدأ ديني وأمر رباني. ففي كتاب الله وسنة نبيه، جاء التحذير واضحاً من الخونة والمنافقين والمفسدين في الأرض.
وكم من آية نزلت تفضح أولئك الذين يبطنون ما لا يظهرون، ويعملون على تقويض الصف من الداخل. والخيانة، وإن لبست عباءة الدين أو حملت رايات زائفة، تبقى خيانة لا يطهرها دّعاء، ولا يغفرها التاريخ.
وما أكثر من تاجروا بالدين لبلوغ أهداف سياسية مشبوهة. فلطالما رفعت جماعة الإخوان المسلمين شعار "الإسلام هو الحل"، وهم في الحقيقة أول من عبثوا بأركان الإسلام، وشوّهوا صورته، وزرعوا الشك في نفوس الناس تجاه الخطاب الديني. جعلوا من الدين وسيلة للوصول، لا غاية للارتقاء، واستخدموا المنابر سلاحاً للطعن في الدولة وتفكيك المجتمع، بينما باطنهم مليء بالتنظيمات العابرة للحدود، وولاؤهم ليس للوطن بل للتنظيم. هؤلاء لم يعرفوا يوماً معنى الانتماء الحقيقي، ولم يضعوا مصلحة الأردن فوق أهدافهم وأجنداتهم، بل سعوا بكل ما أوتوا من حيلة إلى اختراق مؤسسات الدولة، وتأليب الناس، وتأجيج الشارع، باسم الدين تارة، وباسم الإصلاح تارة أخرى. من يتابع خطاباتهم وتحركاتهم، يعلم أنهم لا يتحركون بوحي الوطنية ولا هدي الإسلام، بل وفق تعليمات تصدر من مكاتب التنظيم في الخارج، وتخضع لحسابات لا تمت لمصلحة الأردن بصلة. والويل كل الويل لمن يظن أن الوطن ساذج، أو أن الأردنيين مغفلون. لقد سقطت الأقنعة، وظهرت النوايا، وانكشفت وجوه المتلونين الذين يرتدون أثواب التقوى وهم أخطر على الأمة من أعدائها الظاهرين.
أما نحن، أبناء هذا الوطن، أبناء العشائر والمخيمات، أبناء المساجد والكنائس، أبناء الجيش العربي المصطفوي، نقولها بملء الفم: لا مكان للخونة بيننا، ولا حصانة لمن باع ولاءه، ولا سكوت عن من يستخدم الدين أو القومية أو حتى الفقر لزرع الفتنة وتفكيك الصف. الأردن أقوى من كل المؤامرات، وسيظل عصيّاً على كل من يحاول زعزعته، لأنه محصّن بالإيمان والولاء والعروبة.
وفي زمن الفتن، لا بد من وضوح في الموقف: إما أن تكون وطنياً شريفاً، قلبك على الأردن، ولسانك لا ينطق إلا بما يرفع من شأنه، وسلوكك امتداد لتضحيات من سبقوك، أو أن تكون خائناً متآمراً، متستراً خلف شعارات براقة، وساعياً لهدم ما بني بدماء الأحرار. والفرق بين الوطني والخائن، ليس في الكلمات، بل في النوايا، في العمل، في الولاء، في الخط الذي يسير فيه الإنسان ساعة اشتداد العاصفة. الأردن وطن هاشمي، عروبي، إسلامي، لا يقبل القسمة، ولا يخضع للمساومات، ومن يظن أن بإمكانه أن يبتز هذا البلد أو يطعن ظهره من الداخل، فهو واهم، وسيسقط كما سقط من سبقه. ففي الأردن لا تُباع الكرامة، ولا تُشترى الوطنية، ولا تُخترق المؤسسات، لأن فيها رجالاً ونساءً أقسموا أن يبقى هذا الحمى مصاناً، مرفوع الرأس، منيعاً في وجه كل خائن ومارق.