facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الاستغفار… البوابة الخفية نحو طمأنينة النفس


أ. د. هاني الضمور
25-04-2025 11:40 AM

في عالمٍ تتزاحم فيه النظريات والخطط التنموية، وتتصارع فيه الشعوب على الموارد والرخاء، يغيب عن الأذهان أن الحل ربما لا يكمن في التقنية وحدها، ولا في السياسات، بل في كلمةٍ واحدة، تنبع من القلب، وتصلح الأرض والإنسان معًا: الاستغفار.

الاستغفار في جوهره ليس ترديدًا آليًا لعبارة مألوفة، بل هو فعلٌ إيماني عميق يعيد تشكيل علاقة الإنسان بخالقه، وبنفسه، وبالكون من حوله. إنه عملية تطهير روحي، وإعادة توازن نفسي، واستدعاءٌ صادق للرحمة الإلهية، لا تُصلح به القلوب فحسب، بل تُروى به الأرض، وتُثمر به الحياة، وتُبنى به الأمم.

في خضم الأزمات المتلاحقة التي تواجه البشرية، من شح المياه، وتهديدات الأمن الغذائي، إلى التدهور النفسي والقلق الوجودي، تتكشف الآيات القرآنية القديمة كأنها نبوءة بيئية وتنموية معاصرة. قال نوح عليه السلام لقومه:
“استغفروا ربكم إنه كان غفارًا، يرسل السماء عليكم مدرارًا، ويمددكم بأموالٍ وبنين، ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهارًا”.

في هذه الآية تتجلّى صورة متكاملة لنموذج التنمية الشاملة: أمن مائي ينهمر من السماء، ووفرة غذائية تنبت من الأرض، وازدهار بشري يتكاثر وينهض، وكل ذلك يبدأ من استغفارٍ صادق.

بعيدًا عن الرؤية المجازية، يُثبت العلم الحديث أن الإنسان السليم نفسيًا هو الأكثر إنتاجًا، وأن المجتمع الذي يسوده العدل والسكينة هو الأقدر على حماية بيئته وتحقيق أمنه الغذائي والمائي. وهنا يلتقي العلم مع الإيمان، ويظهر أن الاستغفار ليس مجرد عبادة، بل هو مدخل نحو التنمية المستدامة من الداخل إلى الخارج.

فإذا كان الماء أصل الحياة، فإن الطمأنينة أصل الاستمرار. وإذا كانت الزراعة تحتاج للغيث، فإن الإصلاح يحتاج لقلبٍ نقي. وهكذا يصبح الاستغفار، في عمقه الحقيقي، حركة إصلاح تبدأ من داخل الإنسان، لتنتهي بإعمار الأرض. الإنسان المستغفر هو الذي يتصالح مع خالقه، فيرتب فوضى روحه، ويتحرر من أثقال الذنوب، فيستعيد قدرته على العطاء، والعمل، والتغيير.

لكن الاستغفار لا يصنع أثره في الفراغ، بل يحتاج إلى منهج. وها هنا تبدأ الرحلة: وعيٌ يُبنى في القلوب بأن الاستغفار لا ينفصل عن السلوك، وأن من صدق في طلب الغفران، صدق في السعي لإصلاح ذاته ومجتمعه. تبدأ القصة من خطبة في مسجد، أو درس في مدرسة، أو لافتة في طريق تقول للناس: إن خصب الأرض مرهون بنقاء القلوب.

يتحوّل الاستغفار من فعل فردي إلى مشروع حضاري، حين يتبناه المجتمع بكل مكوّناته. حين تغدو الوزارات، والمؤسسات، والجامعات، جزءًا من مشروع أخلاقي يرسم سياسات ترشيد المياه، وزراعة الأرض، وتنمية الإنسان، تحت مظلة الإيمان لا الانتهازية. حين تُربط الخُطط بالضمير، وتُوزن القرارات بموازين الرحمة والعدل، يتحول الاستغفار من عبادة إلى نظام حياة.

هذا ليس خيالًا مثاليًا، بل هو إعادة بعث لمنهجٍ قرآني تجاهلناه كثيرًا، وهو الذي يحمل مفاتيح الحلول حين تغلق الأبواب. فكل بناء بلا استغفار هو معرضٌ للانهيار، وكل مشروع بلا روح هو كائنٌ ميت مهما بدا عظيمًا.

في زمن تتراكم فيه التقارير عن الاحتباس الحراري، والتصحر، والمجاعات، والانتحار، والعنف، آن للإنسان أن يلتفت إلى أعمق مما في يده، إلى ما في قلبه، إلى تلك الكلمة التي إن خرجت من صدق، أعادت للسماء غيثها، وللأرض خصبها، وللروح سكينتها.

الاستغفار ليس فقط من أجل الآخرة… بل من أجل حياة تستحق أن تُعاش.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :