حماس بين مرّ المقاومة ومرارة المساومة
د.محمد البدور
26-04-2025 01:23 PM
تُذبح غزة وأهلها وتُباد يوميًا أمام صمت دولي مُخزٍ، وعجز عربي وإسلامي مُفجع، وأمة لا تملك من الفعل سوى التطبيل والتهويل عند قتل جندي صهيوني أو تدمير آلية إسرائيلية. هذا التهويل لا يُغيّر شيئًا في ميزان القوى ولا يُقنع إسرائيل بالتراجع عن عدوانها أو الحد من مجازرها.
اليوم، تجد حركة حماس نفسها أمام مفترق طرق بالغ الصعوبة: فإما الاستمرار في خيار المقاومة، ولو كان ثمنه إبادة غزة، وإما القبول بالمساومة والإذعان لشروط إسرائيل وأمريكا وأعوانهما، والتي على رأسها رحيل الحركة عن حكم غزة، وتفكيك سلاحها، والاستسلام.
الواقع بات مُرًّا على حماس والمقاومة، وأقسى على كل الوسطاء الذين يحاولون عبثًا إيجاد مخرج سياسي للمذبحة. وهي مرارة تتضاعف لحماس، التي تقف اليوم شبه وحيدة في الميدان؛ فلا إيران التي طالما رفعت شعارات دعم فلسطين وقفت معها بجدّية، ولا الحوثيون، ولا حزب الله، ولا حتى فصائل المقاومة في الضفة الغربية كان لها وزن فعلي في معادلة الردع أو التأثير على حسابات العدو.
المفاوضات لم تكن سوى فخّ، أو "استراحة محارب" لجيش الاحتلال، استغلها ليلتقط أنفاسه ويُعيد تموضعه، ويُجند المزيد من العملاء، ويُعمّق جراح غزة عبر استهداف رموزها المدنية والحكومية، مستهلًا حربه الجديدة بصواريخ موجّهة لأولئك الذين كانوا يديرون الحياة في غزة.
لقد بات واضحًا أن أي مفاوضات جديدة ليست إلا فرصًا إضافية لإسرائيل لتعزيز استراتيجياتها العسكرية، ولتعود إلى جرائمها متى شاءت.
وعلى حماس أن تعي هذه الحقيقة بوضوح، وأن تجد مخرجًا لهذه الحرب التي أشعلتها، بعدما أصبحت الخسائر الإنسانية والدمار في غزة تفوق بكثير أي إنجاز عسكري أو معنوي، مهما بدا كبيرًا لحظة وقوعه.
لقد كانت "غنيمة حماس" في معركة طوفان الأقصى لحظة نادرة من الفخر، إذ نجحت في كسر هيبة إسرائيل العسكرية، ومحو أسطورة أمنها، وتوجيه صفعة قوية لجيشها المدجج. وستخلد الذاكرة تلك اللحظة التي مرغت فيها أنف الاحتلال بتراب غزة.
لكن، هل يكفي هذا الانتصار الرمزي أمام استمرار الإبادة والدمار؟
على حماس أن تقف اليوم أمام مسؤوليتها التاريخية تجاه أهل غزة، وأن تُدرك أنها ليست دولة، بل حركة تحرر تُجيد المناورة والانكماش كما تُجيد الهجوم.
وكما كانت جريئة في إطلاق غارة طوفان الأقصى، ينبغي أن تكون أكثر جرأة في اتخاذ قرارات سياسية تُنقذ ما تبقى من أرواح المدنيين، وتوقف نزيف الدم الغزي، وتمنع تكرار هذه المجازر في المستقبل.
على الحركة أن تُمعن في قراءة المشهد السياسي والعسكري بدقة، وتُدرك أن وحدها الآن في الميدان، كما كانت أغلب حركات التحرر في العالم. تغيّر وتنسحب، ثم تعود لتغير من جديد في وقت آخر وظروف جديدة.
إلى كل المفسّرين والمحللين والمشجعين والمطبلين من خلف الشاشات:
غزة تُذبح. والواقع تحت وقع المجازر لا يشبه التنظير من بعيد.
إن الحقيقة المُرّة التي يجب الاعتراف بها هي أن على الجميع اليوم أن يعمل على منع توفير أي ذريعة لاستمرار المجازر الصهيونية بحق أطفال غزة الذين تطايرت أشلاؤهم مع شظايا الصواريخ.
الصمت لم يعُد خيارًا، والتاريخ لا يرحم.