عبدالرؤوف الروابدة .. حارس سردية الوطن حينما يراد لحقائق الأردن ان تُغتال
أ.د. خلف الطاهات
27-04-2025 09:53 AM
في ربع قرن من الاشتغال في بلاط صاحبة الجلالة، لم يخطر ببالي يوماً أن أكتب عن أي شخصية أردنية، ليس زهداً ولا تنكّباً، بل اتقاءً لتأويلٍ قد يُذهب القول إلى مظنة التزلف أو التودد، وهو ما لم أتقنه يوماً. لكني اليوم أجدني مدفوعاً بوازع من ضمير المهنة، ورغبة في الإنصاف، للحديث عن رجل تتقاطع في سيرته ملامح الدولة، وتتجلّى في مواقفه كبرياء الوطن: دولة عبد الرؤوف الروابدة.
هو الرجل الذي لم يكن يوماً رقماً عابراً في معادلة الحكم، ولا ظلّ صوتاً من الأصوات العابرة التي تهتف عند الطلب وتصمت عند الحاجة. بل هو، بحق، أحد أبرز رجال الدولة في تاريخ الأردن الحديث، وأكثرهم حضوراً وجدلاً واشتباكاً مع الرأي العام، وأكثرهم صراحة حين تعمى الأبصار عن رؤية الحقائق.
عبد الرؤوف الروابدة، القادم من قلب إربد النابض، لم يكن ابن المناصب بل ابن الموقف، ولم يُسجّل عليه أنه حجب رأياً أو دار الزوايا حين اختلط الحابل بالنابل. بقي، رغم تعاقب الحكومات وتغير الوجوه، حارساً لسردية الوطن، وناطقاً باسمه في المحافل، ومدافعاً عنه في وجه خفافيش الظلام الذين أرادوا لهذا البلد أن يكون ساحةً لتصفية الحسابات.
ولأنه كذلك، لم يعرف الهدوء حين احتدم السجال، ولم يركن إلى الظل حين انسحب الآخرون إلى أبراجهم العاجية. فتجده في كل خطب الأردنيين، مصلحاً اجتماعياً حين يحتاج الوطن راشداً، ومحاضراً موجهاً حين يتعثر الرأي العام في دروب الضباب، وصوتاً جهورياً حين يُراد لحقائق الأردن أن تُغتال.
هو الذي لم يربط موقفه بوظيفة، ولا اشتباكه بحساب، فكان الصوت الذي لا يُشترى، والضمير الذي لا يُستأجر. وها هو اليوم، وبعد أعوام من مغادرة المواقع الرسمية، أكثر حضوراً وتأثيراً من كثير ممن يتربعون على كراسي القرار.
وفي زمن أصبحت فيه ساحات التواصل ميادين حرب إعلامية، يتجلّى "أبو عصام" كليبرالي شاب في فضاء تويتر، يغرد بثوابت الدولة لا شعاراتها، ويرعد في البودكاستات بما يخدم الرواية الوطنية، لا بما يلمّع الذات أو يُرضي الخواطر. لا يخشى قول الحقيقة، ولو كانت موجعة، ولا يلبس قناع الدبلوماسية حين يكون الوطن هو الرهان.
ولأننا في زمن كثر فيه من يتكسبون من اسم الأردن، ويقتاتون من ظهره، فإن الروابدة كان استثناءً صلباً، كالصخر في وجه العاصفة، لا يبتغي من حضوره شيئاً إلا أن يكون الأردن بخير. لا يسعى لمرضاة جهة، ولا يُهدي مواقفه على طبق من ذهب لأحد، بل ينطلق من إيمان راسخ بأن الوطن أكبر من الجميع.
وهو إذ يحضر في منتديات الأكاديميا والشباب والأحزاب والمجتمع، لا يحاضر من فوق منصة العارف المتعالي، بل يخوض في تفاصيل الهوية الوطنية، مهندساً ومفككاً ومؤسّساً لوعي جديد، لا يقبل التجميل ولا التزويق.
الروابدة لم يترك الساحة للمرجفين، بل ظلّ قابضاً على جمر الحقيقة، منتمياً للأردن لا ببطاقة الأحوال، بل بالعقل والوجدان والتاريخ والموقف. هو رجل دولة من طراز لا يتكرر، إذا قال فعل، وإذا حضر دوّى، وإذا غاب بقي أثره شاهداً.
فهل بعد هذا نملك إلا أن نقول: طوبى لأردن أنجبت عبد الرؤوف الروابدة؟