facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أين أنت؟ سؤال الإنسان الحائر بين المادة والروح


أ. د. هاني الضمور
29-04-2025 10:26 AM

في زمن طغى فيه الاستهلاك على التأمل، وغرقت فيه الأرواح في ضجيج الحياة الرقمية، تأتي رواية “عالم جميل، أين أنت؟” للكاتبة الأيرلندية سالي روني كنداء إنساني، يبحث عن معنى في عالم يضيق بالمعنى، وعن طمأنينة وسط بحر من الشكوك والمخاوف. الرواية تطرح السؤال الذي يدور في قلب كل إنسان يشعر بالاغتراب: أين ذهب الجمال؟ وأين هو السلام؟ وهي تساؤلات ليست بعيدة عن جوهر الإيمان، بل لعلها أقرب ما تكون إلى ذلك البحث الفطري عن السكينة التي لا يجدها القلب إلا بذكر الله.

الرواية تتتبع حكاية شخصيات شابة، مثقفة، واعية، لكنها قلقة، ضائعة بين العلاقات العابرة، والقلق الوجودي، والخوف من المستقبل. “أليس”، الروائية الشهيرة، و”إيلين”، صديقتها القريبة، تعيشان صراعًا مع الذات، مع الحب، مع العالم الذي يبدو وكأنه فقد بوصلة الخير والجمال. وفي حواراتهما ورسائلهما الطويلة، ينبثق سؤال الرواية: هل لا يزال العالم مكانًا يستحق أن نؤمن به؟ وهو سؤال يذكرنا بقول الله تعالى: “أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” [الرعد: 28]. لأن الطمأنينة التي يبحث عنها هؤلاء ليست في المال، ولا في النجاح، بل في الإيمان بأن وراء هذا الكون حكمة ورحمة.

سالي روني، في روايتها، تعكس صورة الإنسان المعاصر الذي خسر الكثير من اليقين، وحلّ محله الشك، والذي ما عاد يعرف كيف يتعامل مع الحب، ولا كيف يقاوم خيبات الحياة. إنهم يبحثون عن الجمال، لا في المظاهر، بل في جوهر الحياة، في العلاقات التي لا تكتفي بالشكل، بل تسعى للصدق. ومن هنا، تبدو الرواية كأنها دعوة للتأمل: هل نعيش كما ينبغي؟ أم نلهث خلف السراب؟ وهذا ما عبّر عنه القرآن حين قال: “وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ” [آل عمران: 185].

الرواية، وإن كانت بعيدة عن الطرح الديني الظاهر، إلا أن التساؤل الوجودي العميق فيها يقودنا بالضرورة إلى الإيمان، لأن الإنسان حين يُرهقه القلق، ويُعجزه فهم العالم، لا يجد ملاذًا إلا في التسليم لربّ هذا العالم. شخصيات الرواية تحاول أن تخلق لنفسها معنى، لكنها تتعثر، تتألم، وتكاد تصل إلى حافة الانهيار، لكنها لا تزال تتساءل: هل يمكن للطيبة أن تعود؟ هل يمكن للجمال أن يُستعاد؟ والجواب في الإيمان واضح: إن الله جميل يحب الجمال، وإن الخير في الأمة لا ينقطع، وإن الإنسان ما دام قلبه متعلقًا بالخالق، فإن في قلبه نورًا لا يخبو.

“عالم جميل، أين أنت؟” هو سؤال الإنسان عن الرحمة وسط القسوة، عن الحب وسط الأنانية، عن الله وسط صخب المادة. ورغم أن الرواية لا تُعطي إجابة قاطعة، إلا أنها تُرينا أن البحث في حد ذاته طريق، وأن من يسعى للحق بصدق، سيجد النور. قال الله تعالى: “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا” [العنكبوت: 69]. ومن يسعى للجمال الحقيقي، سيجده حين يرى الوجود بعين الإيمان، لا بعين الحيرة.

في النهاية، تبدو الرواية صدى لقلق جيل كامل، لكنها أيضًا دعوة للعودة إلى الجذور، إلى الطمأنينة التي لا يُلهمها إلا الله. نعم، العالم الجميل قد يختفي خلف ستار من الظلم، لكنه لا يغيب عن القلوب المؤمنة، التي ترى أن الخير باقٍ، والجمال فطرة، وأن الحياة مهما اشتدت، فإن رحمة الله أوسع من ضيقها.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :