الجهل بالتاريخ انتحار كبير
فارس الحباشنة
02-05-2025 09:23 PM
لم يكن توقيت تسريب الإتصال الهاتفي المجتزأ بين الزعيمين : جمال عبد الناصر و معمر القذافي بريئا او بمحض الصدفة .
بقدر ما هو تسريب يعبر عن وجهة نظر يجري تصديرها و تسييدها الى المشهد السياسي المصري و العربي ، و الاقليمي .
في مصر ، من وفاة الرئيس جمال عبدالناصر ، وأرث ثورة 23 يوليو وحقبة عبدالناصر تواجه حملات تشوية وشيطنة .
وتدفقت الاف الكتب والمقالات ، و بثت تقارير و برامج تلفزيونية لتشويه جمال عبدالناصر و مشروعه التحرري .
مئات ملايين الدولارات أنفقت على تشويه صورة عبدالناصر ، و حتى يوم أمس الأعلام الخليجي يجلب أبواقا مصرية و عربية لشتم عبدالناصر .
و على شاشة الجزيرة ، أحمد منصور بث مئات الحلقات مع قادة الأخوان المسلميين؛ ليحملوا عبدالناصر هزيمة 67 ، و أن نصر 73 حققه أنور السادات ، و ليهاجموا مشروعه الوطني باتهامه بتخريب مصر ، و الاستهزاء بمشاريع الاصلاح الزراعي و السد العالي و مجانية التعليم و محاربة الاستعمار والتطور الصناعي ، و التحول الاشتراكي .. كم
ارتكب عبدالناصر من جرائم بحق مصرو شعبها !
و هجوم علني و شخصي ثأري على تاريخ عبدالناصر .
ومن أسوأ تجارب الصحافة و التأريخ الاعراض عن الحقائق و الثأر و التهجم.
الراحل محمد حسنين هيكل ، حتى أخر انفاسه بقى وفيا الى جمال عبدالناصر ومشروعه الوطني ، ودافع بسراشة عقلانية وحكيمة عن عبدالناصر .
لماذا عبدالناصر ؟ و استهدافه في حياته ومماته ؟
انها شهادةً على قوة المشروع و حيويته ، و حجم تأثيره لليوم .
مصر في ثورتها الثانية 2013، واسترداد و تصحيح المسار استنهضوا مشروع عبدالناصر الوطني في بناء الدولة و الهوية المصرية ، و كبح الاخوان ، سياسيا واجتماعيا .
عبدالناصر أرسى معني حقيقي للديمقراطية والمدنية الاجتماعية ، و الدولة المستقلة ، و التحرر، و العدل .
ما أنجز في عهد عبدالناصر كان كبيرا، و من الطبيعي أن تشارك جبهات عديدة في ضرب الحقبة الناصرية و تشوييها.
و مر على ثورة يوليو 72 عاما، و صورة عبدالناصر لم تهتز، و بل أنه تحول عقدة للأنظمة و الزعماء العرب .
ما تسويغ تسريب تسجيل صوتي مجتزأ في هذا التوقيت الإقليمي المعقد من حرب غزة ، و توابعها و تداعياتها .
الموضوع إدخال و إشراك عبدالناصر في معركة إجتثاث و نزع سلاح المقاومة .
و نزع سلاح المقاومة، هي العقدة الكبرى في مفاوضات وقف إطلاق بين المقاومة واسرائيل .
في مصر ، بعد نكسة 67 تولدت روح النقد و تأكدت مبادئ و قيم سياسية جديدة، واضافة الى إعادة بناء القوات المسلحة من جديد على أسس حديثة، وإبعادها عن التورط في السياسة الداخلية .
يصعب اطلاق أي إتهام ضد عبدالناصر ، وهكذا جزافا و اعتباطا ، ودون تأكد و نظرة سياسة متكاملة و شاملة الى حقيقة مشروع و فكر عبدالناصر .
التفكير في عقلية ثأرية و ضغينة قد يدفعك لاصدار أي إتهام، وكما تشأ .
و السؤال الأكبر ، وقد مر على رحيل عبدالناصر حوالي 55 عاما ..هل قتلته اسرائيل بالسم ام ماذا ؟ هذا هو السؤال الكبير و المهم ، والذي ما زال يبحث عن أجابة يقينية .
وما قد يقال في حق التسجيل الصوتي ، لو أنه صدر بعد حرب 73 . و لكن ، من صنع نصر حرب 73 ؟ أليس جمال عبدالناصر ؟
وقبل أن يتوفى عبد الناصر كان صادق بتوقيعه على خطة حرب73و خط براليف .
من الضروري فهم التسجيل الصوتي ضمن سياقه .
لقد طرحت مبادرة "روجرز "لمدة 90يوما بين مصر وإسرائيل ، وبدء مفاوضات لتنفيذ قرار مجلس الامن 242،واجه ذلك معارضة في العالم العربي .
و ليس من الواضح أن كان جمال عبد الناصر قد قبل نهائيا مبادرة روجرز أم انها حرب نوايا .
المهمً، أن وافق عبد الناصر على مبادرة روجرز ؛ فالجيش المصري كان يجهز لمعركة الاجتياح الكبرى .
في التسجيل الصوتي هاجم وسخر عبدالناصر من المزايدين ،وابدى استخفاف بمطالبهم بحرب دون جاهزية.
في موضوع القضية الفلسطينية عبد الناصر ليس محتاجا اليها لدعم شرعيته ، وليس على غرار حزبي البعث في العراق وسورية.
فعبد الناصر أمتلك منجز تاريخي من تأميم قناة السويس و دحر العدوان الثلاثي في56و الوحدة مع سورية 58 ، وعلى المسرح الدولي اقام حلف دول عدم الانحياز، و مؤتمر باندونغ 55.
القضية اليوم ليست عبدالناصر ، بل مصر و أمنها القومي .
تهديد وارغامات ترامب في تهجير فلسطيني غزة قسرا وطوعا واضحة، ولا تغطى بالغربال .
"الرسالة المضمرة " تستجوب بدل النبش في الارشيف و أدلة التاريخ المستحكمة ، حماية ما هو صلب و ثابت و أستراتيجي في السياسة المصرية .
التسجيل الصوتي يلامس حدود الكوميديا ، كما لو أن عبدالناصر مات على أبواب اورشليم ، و مات وهو يصافح ديان ، أو انه خطى قدميه الى البيت الابيض ، و مات وهو ينتظر لقاء الرئيس الامريكي ، ليندون جونسون .
أنا لا أسبغ مدائح لعبدالناصر و لاغيره .ولكن ، أنصح في قراءة التاريخ ، حتى لا نقع
في فخ الفقر المعرفي و التأريخي ، والتضليل و حروب الدعاية.
الجهل بالتاريخ انتحار كبير