من الحلقات النقاشية الهامة التي تم عرضها في مؤتمر شبكة الشرق الأوسط وشمال افريقيا لبحوث الإدارة العامة وهيئة الخدمة والإدارة العامة الذي عقد تحت عنوان " الإدارة العامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا: التحولات، المرونة، وآفاق المستقبل، في عمان بالفترة من 28- 30 نيسان 2025"،( الكفايات أساس الموارد البشرية)، وكان لي شرف المشاركة في هذه الحلقة الى جانب نخبة من خبراء الإدارة العامة في الوطن العربي، الأمر الذي دفعني إلى التوسع في هذا الموضوع عبر سلسلة من المقالات لإلقاء الضوء على هذا المحور بمزيد من التفصيل خدمة للإدارة العامة العربية.

بداية؛ يشير مفهوم الكفايات (Competencies) في إدارة الموارد البشرية إلى مجموعة من المعارف والمهارات والسلوكيات والقدرات الشخصية التي يحتاجها الموظف لأداء عمله بفعالية ونجاح، ويمكن أن تكون الكفايات فنية مرتبطة بمهارات متخصصة، أو سلوكية مثل القيادة، والعمل الجماعي، والتواصل، أو إدارية مثل التخطيط واتخاذ القرار.

وقد تتنوع الكفايات، لتشمل الكفايات الأساسية Competencies Core تميز ثقافة وهوية المنظمة وتشترك فيها جميع الوظائف، وكفايات وظيفية Competencies Functional ترتبط بوظيفة أو مهنة معينة مثل التسويق أو المحاسبة، واخرى قيادية Leadership Competencies تركز على مهارات القيادة والإدارة مثل التأثير، واتخاذ القرار، والتفكير الاستراتيجي.

وقد يتساءل البعض عن أهمية الكفايات في إدارة الموارد البشرية، وبإختصار يمكن تناول أهميتها من خلال الأنشطة الرئيسة لإدارة الموارد البشرية ، وعلى النحو التالي:

ففي مجال الاستقطاب والتوظيف، تساعد في إعداد معايير دقيقة لاختيار أفضل المرشحين بناءً على الكفايات المطلوبة، بعد تصنيفها وتقييم المستوى المستهدف منها.

وفي مجال التدريب والتطوير، تسهم في تحديد الفجوات الفعلية في الكفايات ووضع خطط تدريب فعالة لتطوير الموظفين، في حين توفر مرجعية لتقييم أداء الموظفين بناءً على كفاءاتهم الفعلية مقارنة بالكفاءات المتوقعة.

تُستخدم الكفايات لتحديد جاهزية الموظف للانتقال إلى مستويات أعلى أو أدوار جديدة، كما تساعد في التعرف على المواهب الواعدة وإعدادهم لتولي المناصب القيادية في المستقبل. وتساهم في تعزيز الثقافة المؤسسية من خلال توحيد السلوكيات والقيم في بيئة العمل، مما يعزز التماسك التنظيمي.

والتساؤل هنا : كيف يمكن بناء أطر وطنية للكفايات تتلاءم مع طبيعة العمل الحكومي ومتطلبات التحول الإداري؟

بناء أطر وطنية للكفايات (National Competency Frameworks) تتلاءم مع طبيعة العمل الحكومي ومتطلبات التحول الإداري يحتاج إلى منهجية دقيقة ومتكاملة، يمكن أن تتضمن الجوانب التالية:

تحديد الرؤية والأهداف، من خلال ربط الكفايات المطلوبة برؤية الدولة ، ففي الأردن مثلا يتم ربط الإطار برؤية التحديث الإداري، ويتم تحديد الغاية مثلا: تطوير الأداء الحكومي، تعزيز الابتكار، تحسين الكفاءة الإدارية.

يتضمن الجانب الثاني للإطار : تحليل الواقع الحالي، وهو ما أنجزته الحكومة من خلال مراجعة الأنظمة والهياكل الحكومية القائمة والشروع بدراسة متطلبات الوظائف الحكومية الحديثة (الحوكمة، التحول الرقمي، إدارة التغيير، إلخ)، ليصار إلى تحليل الفجوات بين الكفايات الحالية والكفايات المستقبلية المطلوبة.

تصميم إطار الكفايات؛ المتطلب الثالث للإطار الوطني للكفايات، وحيث أن هناك إطارا قديما؛ يستدعي الأمر أن يعاد تصميمه ليتم بموجبه تصنيف الكفايات إلى: كفايات أساسية (مثل النزاهة، العمل بروح الفريق، الالتزام الوطني)، و كفايات إدارية (مثل القيادة، إدارة الأداء، التفكير الاستراتيجي)، و كفايات تخصصية (مرتبطة بكل مجال وظيفي، مثل: إدارة البيانات، التحول الرقمي، الابتكار الحكومي).

الجانب الأهم في بناء الدليل؛ يتضمن تحديد مستويات الكفاية (مبتدئ - متوسط - متقدم – خبير)، مع أهمية التقييم الدقيق لكل مستوى بطريقة قابلة للقياس، ويتأمل في الأردن أن يكون هناك دورا تخصصيا لإنجاز هذه المرحلة بشكل علمي وموضوعي من خلال مركز تقييم الكفايات الذي تم تجهيزه في هيئة الخدمة والإدارة العامة، بحيث سيكون الجهة الوطنية التي تتولى تقييم كفايات المرشحين لوظائف أو الموظفين باستخدام اساليب تقييم قياسية متنوعة ، وهذا أنجاز نوعي يسهم في تحقيق خارطة تحديث الادارة الحكومية وتحقيق الجدارة وتكافؤ الفرص والإستثمار الأمثل في الكفايات الوظيفية.

ولا ننسى ونحن نسعى إلى تطوير الإطار الوطني للكفايات ؛مراعاة خصوصية العمل الحكومي، مثل: احترام القيم والمبادئ العامة "كالشفافية، العدالة، خدمة المواطن"، و تضمين كفايات ترتبط بالعمل المؤسسي والحكومي، مثل فهم السياسات العامة، وإدارة المشاريع الحكومية، إضافة إلى التكامل مع متطلبات التحول الإداري؛ من خلال التركيز على كفايات المستقبل: التحول الرقمي، الذكاء الاصطناعي، التفكير التصميمي و تمكين الموظفين من العمل المرن والابتكار وتحمل المخاطر المحسوبة.

وترسيخا للنهج التشاركي ؛ تتطلب عملية بناء الدليل مشاركة أصحاب العلاقة، الوزارات والهيئات الحكومية، والأكاديميين، والخبراء، إضافة إلى أخذ آراء المستفيدين والموظفين أنفسهم.

وبعد ذلك يتم إقرار الإطارالوطني للكفايات بشكل رسمي ؛ و تتم عملية تحديثه بشكل مستمر لمواكبة المتغيرات، وربطه بأنظمة الموارد البشرية من خلال دمج الكفايات مع التوظيف، الترقية، التدريب، تقييم الأداء، التخطيط القيادي.

سنتناول في المقال القادم، كيف تسهم الكفايات في تطوير أداء الأفراد والمؤسسات في القطاع العام.

* أمين عام وزارة تطوير القطاع العام مدير عام معهد الإدارة العامة سابقا