ماذا بقي من الأمن القومي العربي ؟
أ.د.محمد المصالحة
05-05-2025 12:30 AM
فيما يواصل نتنياهو العربدة المسلحة في فلسطين ولبنان وسوريا، ويهدد عبر سموترتش وبن غفير بإقامة "إسرائيل الكبرى"، يُبدي النظام العربي تراخياً غير مسبوق في مواجهة هذا الخطر العدواني التوسعي.
وعودة إلى الجامعة العربية كإطار مؤسسي للعرب، فإن ميثاقها لا يعدو كونه رابطاً تنسيقياً وتعاونياً بين الحكومات العربية لتعزيز الصلات فيما بينها، لكنه لا يتجاوز سيادة الدول فيما يتبناه من قرارات. وهذا ينسجم مع الأساس القانوني الفضفاض للجامعة، أي ميثاقها، الذي امتنعت الدول عن تطويره على مدى ثمانين عاماً من قيام هذه المؤسسة.
في الحقيقة، هناك تضاد في إدراك وفهم الدور الوظيفي للجامعة بين المؤسسة الرسمية العربية، التي تلتزم بدور تنسيقي فقط بين الدول العربية من جهة، وبين المفكرين والسياسيين العرب الذين يؤمنون بالقومية وبالأمة العربية الواحدة من جهة أخرى. أي بين ما هو ممكن وواقعي، وبين ما هو مأمول ومرتجى لأمة واحدة، كما كان مطروحاً في العقدين الخامس والسادس من القرن الماضي.
وأذكر، أثناء دراستي في المرحلة الجامعية الأولى في جامعة بغداد، أن جدلاً حصل بين أستاذنا د. حسن العطار، مدرس "التطور السياسي العربي"، وبين أحد الزملاء من أطر الأحزاب القومية. إذ أن د. العطار تحدث، وفقاً لمنظور علم السياسة، أن هناك دولاً عربية تحكم شعوباً عربية على أقاليم جغرافية محددة، بينما رفض زميلنا آنذاك ما طرحه الأستاذ، لإيمانه بأن هناك أمة عربية تتكون من شعب عربي واحد، لا من شعوب متعددة.
ووفقاً للتعريف العلمي للدولة والأمة، فإن الرابطة داخل الأولى (أي الدولة) هي رابطة قانونية مُلزِمة، تتمثل في الدستور ومنظومة القوانين التي تحدد سلطات الدولة واختصاصاتها، وحقوق وواجبات مواطنيها ومن يقيم على إقليمها. أما في الثانية (أي الأمة)، فإن الرابطة معنوية وثقافية.
وفيما كان الأمل والمرتجى أن تكون الجامعة العربية محطة في طريق العرب نحو وحدتهم أو اتحادهم، إلا أن التشبث بالسيادة من قبل الدول الأعضاء جعل من المتعذر تطوير ميثاق الجامعة، كما حاول الشاذلي القليبي، الأمين العام للجامعة عام 1981/1982، عندما فشل مشروع لتطوير الميثاق أعدّته نخبة من الخبراء العرب الذين التقوا في مقر الجامعة آنذاك.
وبناءً على ذلك، فإن الأمن القومي العربي يبقى ضرباً من الأدب السياسي الذي كتبنا وتحدثنا عنه، وعقدنا المؤتمرات بشأنه، وصَدرت حوله مؤلفات لا تُحصى. لكن كل ذلك اصطدم بإرادة الحكومات العربية صاحبة القرار، والتي رفضت تغيير طبيعة ومحتوى الأساس القانوني لهذه المنظمة العربية، لتستجيب لرغبات وحاجات الشعوب في الوحدة أو الاتحاد، وفي منظمة عربية أقوى تماسكاً وتشكّل كتلة منيعة.
وقد أصبحت الدول العربية مسكونة بأمنها ومصالحها الوطنية أولاً.