المصيبة ليست فيما لا نظنّه ، بل فيما نظنّ أنّه الحقيقة ، و قد تكون الحقيقة في الحقيقة ليست الحقيقة الحقيقية المطلقة ، بل صورة اصطنعناها و صدقناها !
نظنّ أنّ ما مِن شيء يُرعب اسرائيل سوى وابل من الصواريخ تتساقط عليها ، نظنّ أنّها تدخل الحرب مكرهة ، و أنّها لا تريدها كما تعلن ، نظنّ أنّ تسليح العقل خيانة ، و اطعام الشعوب و كسوتها آخر همومنا ، نظنّ أنّ تل ابيب تخشى الانفاق أكثر من المدن ، و نظنّ أنّها تخشانا و بيدنا سلاح لا قلم.
لا زلنا لم نقرأ تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي كما يجب ، و نعيد التجربة بذات الاخطاء و ذات الخيارات و ذات الاحتمالات و نتوقع نتائج جديدة؟ نعوّل على قانون دولي لم يصغه سوى الاقوياء و لا يطبّق إلّا على الضعفاء ، ثم عندما ندخل حربا غير محسوبة نبكي ، نصرخ ، نلعن اناسا لم نتسشرهم ، نلعن كل الشعوب و الانظمة...ثم نجلس وحدنا على الانقاض؟
متى ما كتبت هكذا اعيد كتابة ذات الجملة ، عندما نحلّل الواقع و نرفضه ، هذا لا يعني "استسلاما" ولا بأيّ شكل من الاشكال ، و لا من الحروف نحاول نسج رداء للاحباط نلبسه لانفسنا ، بل لنستيقظ ، لتفتح الازمات العقول قبل الجروح ، لكي لا نبقى ضمن دائرة مفرغة من الدمار الذكي ، و التدمير الغبي.
تضرب اليمن اسرائيل بصواريخ لا تستطيع تدمير مدن كتلك التي تستعملها اسرئيل ، تهلل القنوات لفتح مبين ، لصاروخ لم يسقط كما في غزة ضحايا و جرحى ، تتضخم الغدة الاعلامية لتعظيم الحدث ، تتلقّف اسرائيل الفكرة بذكاء شديد ، فبالقدر الذي تكبّر فيه خسائرها بالقدر الذي تستطيع به الحركة في ردّ الفعل و الانتقام.
فتهرع تل ابيب نحو صنعاء ، نحو مدينة و مدن يمنية تعاني من ويلات قبل الحرب ، و مجاعات قبل غزة ، فتمحو الميناء و المطار عن وجه البسيطة؟ فهل من عاقل يخرج بجدوى لهذا كله ، و يعطنا اسما لمستفيد سوى تل ابيب؟
لماذا لا نتعظ و ندرك و نيقن و نجزم أنّنا لن نتقدم سوى بالعلم و التعليم و تسليح الاطفال علميا و فكريا و معرفيا ؟ لماذا لم نتأكد بعد ما ألمّ بنا أنّ محاربة عدونا بسلاحه لهي خسارة محققة لمعركة قبل أن تبدأ؟
هل تحارب الشجرة بغصن منها أو بمنشار غريب مستحدث عنها؟
اسرائيل لا ترتعب من شيء سوى من التنظيم و لا تسعد بشيء و تدعمه سوى بكل ما هو مخالف للتنظيم ، لذلك لا يهمها شيء سوى أن ترى الميليشيات تسبح بالمدن و تحاول ضربها ، لكي على طبق من ذهب تنتشي بانتقام مفتوح ، أمّا ما يقلقها فهو دول تنهض ، تتطور ، تستثمر بكل شيء ما عدا السلاح.
لم و لن نستطيع المقاومة إلا إن صنعنا سلاحنا بيدنا و أصبح لنا ثقل عربي على خارطة العالم السياسية ، و كل ما نقوم به اليوم هو هدر، فالاخدود عميق بين سهل تطوّرنا و جبل علومهم...هذا ما يجب أن ندركه و نبدأ به تجاه المستقبل...قبل أن ندفع فاتورة بها الكرامة أو ما بقي منها معدومة و مشنوقة على حبل الرهانات الخارجية.