العودة إلى الفلسفة: تفكير في التربية والتعليم
لانا ارناؤوط
07-05-2025 11:45 PM
في عالم يزداد تعقيدًا وانشغالًا بالمنفعة والنتائج السريعة، يدعونا كتاب. "العودة إلى الفلسفة"، ليس بوصفها تخصصًا أكاديميًا مجردًا، بل بوصفها نمطًا من التفكير العميق الذي يعيد للإنسان وعيه بذاته ومحيطه. ومن خلال هذه العودة، يتأمل الكاتب في العلاقة بين الفلسفة والتربية، باعتبار أن كليهما يسعى إلى تشكيل الإنسان الحرّ، القادر على التفكير، والتساؤل، والمراجعة.
ينطلق الكاتب من فرضية أن التربية الحديثة قد أصبحت أسيرة للتقنيات والمعايير الكمية، مبتعدة عن الجوهر التربوي الإنساني الذي كانت الفلسفة تؤطره وتغذيه. فالفلسفة، بحسب الكاتب، ليست ترفًا فكريًا، بل حاجة وجودية لبناء الذات والنظر في معنى الحياة والحرية والمعرفة. وفي هذا السياق، تصبح التربية مسؤولية لا تنحصر في تلقين المهارات أو المعارف، بل في بناء الذات المفكرة القادرة على اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية.
يرى الكاتب أن الفلسفة تمثل فضاءً رحبًا لمساءلة الثوابت وخلخلة المسلّمات، وهذا ما يجعلها ضرورية في كل مشروع تربوي يطمح إلى بناء أجيال قادرة على الإبداع والنقد.
فالتفكير الفلسفي ليس نشاطًا نخبوياً، بل حقّ إنساني أصيل، يجب أن يتربّى عليه الإنسان منذ طفولته، لا أن يُقصى عنه بدعوى صعوبته أو عدم جدواه العملية.
ويعيد الكاتب الاعتبار للمُعلم بوصفه "مربيًا فلسفيًا"، لا مجرد ناقل لمحتوى. إن المعلم، بحسب هذا التصور، ليس وسيطًا بين الطالب والمنهج، بل قائدٌ لرحلة تفكّر ومساءلة وبحث عن المعنى. وهذا يتطلب إعادة تأهيل تربوي وفكري للمعلمين، وتمكينهم من أدوات التفكير الفلسفي، ليس ليُدرّسوا الفلسفة بالضرورة، بل ليُمارسوها في علاقتهم بالتعليم والطلبة والحياة المدرسية.
كما يناقش الكتاب أزمة المعنى في المؤسسات التعليمية الحديثة، حيث تُقاس الجودة بالمعدلات ونسب النجاح، فيما يُهمّش الجانب القيمي والوجودي للتعليم. ويقترح العودة إلى الفلسفة كممارسة، لا كمنهج دراسي فقط، لإعادة إنعاش الروح الإنسانية في التربية. ومن هذا المنطلق، تصبح الفلسفة تربوية في جوهرها، والتربية فلسفية في غايتها.
يؤكد الكاتب أيضًا أن التربية الفلسفية لا تتعارض مع الواقع أو العلم أو التقنية، بل تضيف لها بعدًا أخلاقيًا وإنسانيًا ضروريًا. فالتربية من دون فلسفة قد تُنتج تقنيين ناجحين، لكنها تعجز عن إنتاج مواطنين أحرار، قادرين على مواجهة التحديات الكبرى مثل العنف، والاستهلاك، والتطرف، والعبث الوجودي.
وفي خاتمة الكتاب، يشدد الكاتب على أن العودة إلى الفلسفة ليست ترفًا في زمن الأزمات، بل هي ضرورة تربوية وأخلاقية لتشكيل الإنسان الذي يحتاجه هذا العالم: إنسانٌ يفكر، يتأمل، ويطرح الأسئلة قبل أن يتورط في الإجابات الجاهزة. الإنسان الذي لا يخشى الغموض، بل يصادقه كي ينمو معه في وعيه ومعرفته بذاته وبالعالم.