التزاوج بين الحياة التشريعية والسلطة
د. عبدالله ماجد العكايلة
08-05-2025 11:55 AM
للأسف الشديد وعلى مدار التاريخ لا زال التزاوج غير الشرعي موجوداً حتى يومنا هذا ما بين السلطة التنفيذية (الحكومة) والسلطة التشريعية (مجلس الامة)
وبعيداً عن عمومية القول فإن ثلاثة ارباع أعضاء مجالس النواب وعلى الأخص المجلس الحالي يرتبطون بمصالح شخصية مع الحكومة، لذا عندما يكون هناك تزاوج ما بين وظيفة النائب التشريعية والرقابية وما بين السلطة فإن العِلاقه "بكسر العين" والعَلاقة "بفتح العين" تكون مبنيةً على مصالح شخصية بحتة، ولن تكون مصالح وطنية، وهذا يعني خيانة الوطن بملئ البطن، وإعلاء النفعية الذاتية على النفعية العامة، طبعاً وبكل تأكيد ما كان ذلك ليحدث الا بمباركة ورعاية حكومية، الهدف منها أن يبقى النائب ضعيفاً هزيلاً مجرداً اعزلاً من أي دور تشريعي أو رقابي أو حتى خدماتي، وحتى يبصم بالخمسة والعشرين بما فيها حواسه الخمس على مشاريع القوانين التي تأتي من حكومته، فيصبح النائب مجرداً تماماً من صنع لأى قرار حتى لو كان القرار شخصي، (وهذا هو واقع الحال)، رغم أن الدستور الأردني في نهاية مادته الأولى يعتبر النائب اساساً لانطلاق الحُكم والحكومات في الأردن، فالمادة المذكورة في نهايتها تنص مع الاقتباس على أن (.... نظام الحُكم نيابي،ملكي،وراثي).
ووفقا للمحددات والمعطيات السابقة فإن هذا كُله يُؤكد تماماً بأن الوطن كان ولا زال يتعرض لمؤامرة تريد أن تفتك به، وعليه فإن عدو الداخل أخطر بكثير من عدو الخارج، فقد أصبحنا وللأسف في زمن تُضخ فيه شعارات وهتافات رنانة مزهوةً بكلمات معطرةً وانتماءات كاذبة ومزيفة تمخر اعماق اللغة العربية وتُطرب لها الأذان وتخشع لها القلوب، لكن لا علاقة لها بواقع الوطن والوطنية، فهي ليست الا شعارات شكلية تخلو تماماً من الموضوعية، مما يُؤكد أن (الوطنية) للفقراء (والوطن) للاثرياء الذين جُلهم من مسؤولي الدولة الكُبار وممن يدعون صنع القرار،
ومما لا شك فيه أن أغلبية نواب اليوم يمتلكون كُبرى الشركات، ويستقلون أفضل وأغلى السيارات الفارهة، ويرتدون أفضل البذلات، ذات الماركات العالمية يبحثون اليوم وكل يوم عن تحقيق منفعتهم الذاتية، وهذه المنفعة لا يُمكن أن تُؤتي أكلها الا بالشراكة مع مؤسسات الدولة، ناهيك عن السياحة بكافة أنواعها الترفيهية والعلاجية لهم ولذويهم، والمُكذب لهذا الأمر ادعوه بالذهاب إلى مجلس النواب لرؤية ذلك بأم عينه.
على أية حال، فإن الأصل أن مجلس النواب ليس صورةً للثراء والرفاه، بل هو صورةً حقيقيةً للتعبير عن وجدان وضمائر الناس، وتحقيق رغباتهم وتلمس على الأقل أدنى متطلباتهم وحاجاتهم الأساسية، التي أصبحت في مهب الريح، وهذا يعني أنه المكان الحقيقي للصراع مع الحكومة، وممارسة دوره التشريعي في سن القوانين الناظمة بما يتواءم وينسجم مع حاجات المجتمع وتطوره الملحوظ، وأن يُفعّل دوره الرقابي على أعمال الحكومة بكل نزاهةً وحياديةً وشفافية بالتعاون مع ديوان المحاسبة وكافة الأجهزة الرقابية ذات الاختصاص، والأخذ بيد المظلوم الذي اصبح مكلوم والضرب بيد من حديد على أيدي الظُّلام، لا بل الضرب بيد من حديد على كل من تمتد يده إلى سرقة أو اختلاس أو غدر كل أو جزء من مقدرات ومدخرات الوطن، والتي هي في النهاية مُلكٌ للشعب، الذي يُعتبر المُكون الأساسي في قيام الدولة، هذا الشعب كان ولا يزال الوحيد في العالم قد أفنى ولا يزال يُفنى حياته في الصرف على حكوماته التي لا تتلمس حاجاته ولا رغباته، وهذا يُعتبر خيانةً من الحكومة للعَقد الإجتماعي الذي نشأت عليها كل دولة بما فيها دولتنا، لا بل يُعتبر خيانةً لما جاء في أوراق الملك النقاشية.
وللأسف الشديد كما قال بعض السابقين من النواب هو مجلس ((ديكور)) ليس إلا، والدليل على ديكورية مجلس النواب واعتباره اكسسواراً فإنني أطرح ثلاثة تساؤلات تخلو تماماً من أية اجابة حقيقية وواقعية وهي على النحو الآتي:
اولاً: على مدار التاريخ البرلماني الأردني هل يُوجد نائب واحد قدم جرد حساب لما يملك؟
ثانياً: على مدار التاريخ البرلماني الأردني هل يوجد نائب واحد أفصح بشكل علني أو حتى ضمني عن مصالحه الحقيقية وحجم استثماراته؟
ثالثاً: هل يعلم أي من المواطنين ما هي مخرجات تحويل السؤال الى استجواب بمعنى ما الذي يحدث بعد استجواب النائب للوزير؟
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحمي الأردن من كل الفتن ما ظهر منها وما بطن. وأن يُهيئ البطانة الصالحة لما فيه صلاح البلاد والعباد، اللهم آمين
* دكتوراة في القانون الجنائي