facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




مكيافيلي في ميزان الإسلام: سلطان القوة أم هيبة العدل؟


أ. د. هاني الضمور
10-05-2025 11:36 AM

حين كتب نيكولو مكيافيلي كتابه “الأمير”، أهدى العالم فلسفة لا تعترف بالقيم إلا بقدر ما تخدم المصالح، ولا ترى في الأخلاق إلا عبئًا على من أراد السيطرة في هذا العالم المضطرب. لم يكن مكيافيلي يحلم بالمدينة الفاضلة، ولم يرَ في الإنسان سوى كائن يسعى للسلطة، ويتشكل قلبه تبعًا للغنائم. لقد رسم للحكام طريقًا، قال إنه يفضي إلى البقاء، لكنه كان طريقًا موحشًا، لا ظلّ فيه للرحمة، ولا مكان فيه للعدل إلا إن كان وسيلة لمزيد من السيطرة.

في فلسفته تلك، استبدل مكيافيلي المحبة بالخوف، والصدق بالخداع، وحوّل السياسة إلى ساحة لا مكان فيها للقيم، بل هي فن المراوغة، وحسن إدارة المصالح. في نظره، الحاكم لا يُسأل عن الوسائل التي اتبعها للوصول إلى الحكم أو لحفظ سلطانه، وإنما يُحكم عليه من خلال قدرته على البقاء، ولو كان الثمن ضياع الأخلاق.

لكن، هل يصلح هذا الفكر ليكون نبراسًا في زمن يدّعي التمدن، ويتغنى بالعدالة والحرية؟ وهل يقبله الإسلام، الذي جاء ليقيم الموازين بالقسط، ويعلي من شأن الإنسان كخليفة لله في الأرض؟

إن الإسلام لا يعرف السياسة منفصلة عن الأخلاق. بل جعل من الحاكم راعيًا، ومن الناس أمانة في عنقه، يُسأل عنهم كما يُسأل المرء عن أهله. السياسة في الإسلام ليست صراعًا من أجل الهيمنة، بل عبادة ومسؤولية، يحكمها قول الله تعالى: “إِنَّ اللّهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ”. لم يكن عمر بن الخطاب بحاجة إلى أن يخيف الناس ليهابوه، بل كانت هيبة عدله أقوى من سيوف الطغاة، وكان خوفه من الله أعمق من خوفه من الخلق.

ما أبعد مكيافيلي عن نبي الإسلام، الذي قال: “اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشقّ عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم، فارفق به”. كيف لحاكم أن يخيف الناس، والله يأمره بالرفق؟ وكيف له أن يستحل الغدر، والرسول يقول: “المكر والخداع في النار”؟

إن مكيافيلي يرى أن الناس ناكرون للجميل، لا يُؤمن جانبهم، ولا تُصان لهم حرمة، ولكن الإسلام يرى الإنسان مكرمًا، تُرعى له الحقوق، وتُصان له الكرامة. وإن كان في الناس غدر وخيانة، فالعلاج لا يكون بالبطش، بل بإقامة العدل، ورد الحقوق، وتقويم النفوس بالحكمة والموعظة الحسنة.

في عالم اليوم، تتخفى كثير من الوجوه خلف أقنعة الحداثة، بينما تمارس مكيافيليتها بذكاء. يرفعون شعارات الحرية، ويمارسون أبشع صور الظلم خلف الأبواب المغلقة. يُخيفون الناس باسم الأمن، ويخدعونهم باسم الوطنية. لكن هذه الأساليب، وإن نجحت حينًا، لا تدوم. فما من طاغية إلا وله نهاية، وما من سلطان مبني على الظلم إلا ويتصدع.

الإسلام لا يطلب من الحاكم أن يكون ضعيفًا، ولا يفرض عليه أن يتغافل عن الأخطار. لكنه يطلب منه أن يتقي الله، وأن يحكم بين الناس بالحق، وأن يعرف أن القوة الحقيقية ليست في السطوة، بل في الإنصاف. ليس في البطش، بل في القدرة على أن يقف أمام الله، وقد أدى الأمانة.

بين مكيافيلي، الذي يرى في الناس قطيعًا، وبين الإسلام، الذي يرى فيهم خلق الله، يقف الإنسان أمام مفترق طرق. إما أن يختار درب السيطرة والخداع، أو يسلك سبيل العدل والرحمة. والعبرة ليست في سرعة الوصول، بل في سلامة الطريق. فهلا نظرنا في التاريخ، ورأينا كيف سقط من ظن أن الخوف يدوم، وكيف خلد من جعل العدل منهجه، ولو فقد سلطانه؟

هي معركة أزلية بين سلطان القوة، وهيبة العدل. والأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :