نعيش حالة متناقض كعرب ، ففريق يلهث بكل ما أوتي من قوة نحو الحرب ، بذريعة حقيقية صادقة أو على النقيض مدفوعا من جهات و دول و افراد ، و جزء آخر يسير نحو السِلم حتى في قمة التوترات ، عنوانه الحكمة و اليقظة و التفكير الاستراتيجي طويل الامد ، فريق الحرب قد يكون الاكثر شجاعة في عين البعض و الاكثر تهورا من وجهة نظر مغايرة صريحة و واقعية.
إن نظرنا للدول العربية بعد عقود من حروب و معارك و اجتياحات و نزاعات و اقتتالات مع اسرائيل ، سنجد أن اغلبها بدأ يفكر أو يسير على النهج العقلاني الذي و إن ابتلع موس التقبّل لكنّه ادرك مؤخرا أنّ لا حل سوى به ، و لا دالّ على ذلك أكثر مما تكشّف من تصريحات على لسان " زعيم الحروب الاوحد" قبل مجي صدام حسين ، ألا و هو (عبد الناصر) الذي اكتشف متأخرا أنّ السِلم و الدبلوماسية هما مفاتيح سلام و نهضة و أمن أي وطن...فهل هذا النهج صحيحا؟
من الناحية المشروعة و الشرعية ، المقاومة حق و عمل واجب تجاه أي عداون غاشم و اغتصاب للأرض و هضم للحق ، فهي التي تردع العدو ساعة الصفر و تجعله يحسب ألف حساب قبل أي عملية ، لكن هل المقاومة وحدها تكفي؟
قبل عقود عندما كان هناك شبه تعادل في موازين القوى ، كانت للمقاومة على اختلاف منابتها القدرة أو بشكل أدق الافضلية في أي معركة ، فأغلب الدول العربية استقلّت عبر مقاومات قوية ضد محتل و مستعمر و غازٍ ، لكن اليوم الوضع مختلف تماما ، فعلى سبيل المثال ، المقاوم الفلسطيني الذي يجابه العدو بكل بسالة قد يستخدم سلاحا صنع قبل عقود يواجهه الاسرائيلي بسلاح فتاك يفوقه في القوة سنوات ضوئية؟ فهل باتت الارواح رخيصة علينا كعرب مقابل نتائج معلومة مسبقا ؟
اسرائيل و إن حاولت تصدير صورة الضحية عن نفسها و إن اوجعتها بعض العمليات التي تقوم بها المقاومة ، لا شيء خطر عليها سوى المقاومة الدبلوماسية ، سوى توحد للفرقاء الفلسطينيين ، سوى اتحاد فلسطيني يشمل كل الفصائل ، فهي تمقت فتح مرات أكثر من حماس ، عندها ستحاول عرقلة أي اتحاد بكل ما استطاعت ، فوقتها لم يعد لديها حجة للاستمرار في التدمير و الهدم و القتل و الاقتحامات.
بعد السابع من اكتوبر ، تعالت الاصوات المطالبة للدول العربية بالدخول بالحرب ،و بدأ توزيع صكوك الخيانة و العمالة و الاتهامات خصوصا ضد النظام الاردني و المصري ، و هنا علينا طرح هذا السؤال " هل إن دخلت مصر و الاردن الحرب ، ستحرر فلسطين ، أم سيتبعان لبنان و اليمن؟ "
لا شك أنّ القدرات العسكرية قوية لدى كل من مصر و الاردن ، لكن بكل واقعية و منطقية هل نستطيع مجابهة قوى الغرب؟ و نحن لم نبتعد بالذاكرة عن غزو صدام الظالم للكويت و ما تبعه من حشد للقوى و الجيوش الغربية؟
الاحجية لا تكمن ابدا في الاستسلام ، بل بمعرفة توابع الامور و نهاياتها و القدرة على المناورة السياسية و الدبلوماسية ، أو أن نتسثمر معرفيا و علميا و تكنولوجيا في صنع اسلحة تفوق سلاح اليوم...فمن يحارب عدوّه بسلاح عدوّه يصبح عدوّ نفسه.