الأسد الذي انتصر على الكراهية .. وسقوط النخبة في مستنقع الغدر
أ. د. هاني الضمور
13-05-2025 04:05 PM
في زمن كثرت فيه الوجوه المتقنعة بالعلم والفضيلة، وتكاثرت فيه الألقاب الخاوية من القيم، تطالعك قصة أسد، نعم أسد… يجلد مجتمعًا بأسره. مجتمعٌ كتب عنه سعد جمعة ذات يوم، فقال عنه إنه “مجتمع الكراهية”، لا بين عوام الناس فحسب، بل بين من يفترض أنهم قادة الفكر، صُنّاع الوعي، ومهندسو الأخلاق.
كيف تتحول النخبة الأكاديمية والثقافية إلى مصنع للكراهية؟ كيف يُصبح العقل أداة غدر؟ هذه الأسئلة يطرحها الواقع قبل الكتب. واقعٌ يفيض بالحقد المقنّع، والتآمر باسم “الاختلاف”، والطعن تحت عباءة “الرأي الآخر”.
في قلب هذا المشهد المشوّه، تخرج علينا قصة الأسد سلطان، قصة تهزّ ضمائر من لا تزال في صدورهم بقايا ضمير. سلطان الذي غدر بمدربه، لم يحتمل فعلته، فعاقب نفسه بأقسى مما يعاقب الإنسان المجرم. انتحر، نعم، أكل جسده، لأنه أدرك – بفطرته لا بعقله – أن الخيانة لا تُغتفر.
وهنا، لنسأل بصوت عالٍ:
أيهما أرقى؟ أسد مفترس، أم أكاديمي يرتدي وجه الإنسان ويخفي قلب ذئب؟
سعد جمعة، حين كتب عن مجتمع الكراهية، لم يكن يتحدث عن فراغ. لقد كان شاهدًا على كيف يتحول العلماء إلى أدوات للفتك، وكيف يستحيل المفكر إلى خنجر مغموس بالغلّ. هذا المجتمع الذي تتآكل فيه الثقة، ليس لأن الجهل يعم، بل لأن النخبة خانت الأمانة.
كم من أستاذ جامعي، كم من مفكر كبير، خان زميله، أسقطه بكلمة، أو طعنه بتقرير، أو لوّث سمعته ليرتقي منصبًا؟
كم من مثقف باع مبادئه، لا ليحيا، بل ليُرضي غروره المريض، أو لينتصر لحزبه أو جماعته أو أناه المتضخمة؟
ووسط هذا الظلام، يسطع ندم “سلطان” كنور يفضحهم.
هو لم يعرف المؤتمرات، ولم يتخرج في الجامعات، ولم يحمل الألقاب، لكنه امتلك ما هو أعظم: ضميرٌ حيّ، يرفض الخيانة.
تخيّل أن الأسد الذي غدر، قضى أيامه الأخيرة ينهش ذراعه – تلك الذراع التي خانت – حتى قضى نحبه، بينما نرى من بين البشر، من يخون كل يوم، يبتسم، يكتب، يحاضر عن القيم، وضميره نائم في تابوت.
مجتمع الكراهية الذي كشفه سعد جمعة، هو ذاته الذي نعيشه اليوم. لكنه لم يتوقف عند الأنظمة والسياسات، بل نزل إلى تفاصيل حياة الناس، إلى صداقات مغشوشة، وشراكات مسمومة، ومؤسسات تدار بالحقد لا بالكفاءة.
الأسد سلطان قدّم لنا مشهدًا عظيمًا:
الخيانة تقتل صاحبها، إن كان صاحب قلب.
أما أولئك الذين يعتاشون على الكراهية، فليتهم يعلمون، أن كل خيانة، وإن مرّت بلا حساب في الدنيا، تُثقل الروح، وتسلب الكرامة، وتحيلهم إلى مسوخ.
في النهاية، لا عذر للإنسان بعد سلطان. فإن كان الوحش قد عرف الذنب، فماذا عن من يتباهى بوعيه ويغرق في الوحل؟
الأسد مات حرًا، مرفوع الرأس في ندمه.
أما هم، فيعيشون عبيدًا للكراهية… أموات الضمير، وإن تنفسوا.
فأيهم الوحش، وأيهم الإنسان؟