في ظل التغيرات المتسارعة في بيئات العمل وازدياد المنافسة، لم يعد تخطيط الموارد البشرية يعتمد فقط على الأعداد والتوزيع، بل تطور ليأخذ بعين الاعتبار الكفايات (Competencies) التي يمتلكها الأفراد أو تحتاجها المؤسسة. يمثل مفهوم الكفاية عنصرًا محوريًا في التنبؤ بالاحتياجات المستقبلية للقوى العاملة وتطويرها بما يحقق أهداف المؤسسة بكفاءة وفعالية.

ذكرت في المقالات السابقة مفهوم وأنواع الكفايات وكيف تُساهم في تطوير أداء الأفراد والمؤسسات؛ وفي هذا المقال سأتحدث عن إدارة الكفايات وتخطيط الموارد البشرية ، وبداية ؛ لابد من توضيح المقصود بإدارة الكفايات ، وتخطيط الموارد البشرية، ثم توضيح العلاقة بين هذه المفاهيم وكيف تتكامل

تعني إدارة الكفايات: تحديد، تقييم، وتطوير المهارات والمعارف والسلوكيات الضرورية لتحقيق أهداف العمل بكفاءة، فيما يعني تخطيط الموارد البشرية: التنبؤ بالاحتياجات المستقبلية من القوى العاملة وتحديد كيف يمكن تلبية هذه الاحتياجات عبر التوظيف، التدريب، أو التطوير الداخلي.

والعلاقة بين الكفايات وتخطيط الموارد البشرية؛ تكمن إبتداء في تحليل الفجوة في الكفايات، من خلال تحديد الكفايات المطلوبة حاليًا ومستقبليًا ومقارنتها بالكفايات المتوفرة لدى العاملين، وهذه العملية ليست سهلة ، ومن هنا إهتمت خارطة تحديث القطاع العام في الأردن بأهمية تحليل الفجوة ضمن محور الموارد البشرية؛ من خلال مركزية تخطيط الموارد البشرية الذي هو من صميم عمل هيئة الخدمة والإدارة العامة والإعتماد على مركز تقييم الكفايات لمساعدة الدوائر والمؤسسات العامة في تحديد الفجوات تمهيدا لوضع الخطط الملائمة لمعالجتها، ونتمنى من الشركات العامة والخاصة الإستفادة من تجربة القطاع العام بهذا الخصوص.

علينا أن ندرك تماما أن ثمة تحديات مرتبطة بتطبيق نموذج الكفايات في تخطيط الموارد البشرية؛ لعل من أهمها؛ صعوبة تحديد الكفايات الدقيقة لكل وظيفة، وهنا يأتي دور تأهيل أخصائي الموارد البشرية وإستخدام أفضل الأدوات التقنية والذكاء الإصطناعي في قاد الأيام للنجاح في تحديد هذه الفجوات بدقة متناهية كونها الأساس المرجعي في بناء خطط الموارد البشرية المستجيبة للتطوير والتحديث.

إضافة إلى عملية تحديد الفجوات البشرية، تساعد إدارة الكفايات في التركيز على استقطاب مرشحين يمتلكون الكفايات المطلوبة بدلًا من الاعتماد فقط على المؤهلات الأكاديمية أو الخبرة العامة، وهذا دفع الإدارة الأردنية الى تعزيز التوجه نحو التدريب التأهلي من خلال التطوير المستمر لبرامج معهد الإدارة العامة التي يتم تصميمها لسد فجوات الكفايات ، والمطلوب من المؤسسات الأكاديمية أن لاتكتفي بالتعليم النظري فقط؛ فالحاجة أصبحت ماسة جدا للمزج مابين التعليم المعرفي والصقل المهاري من خلال التطبيق العملي والتكامل مابن المؤسسات الأكاديمية والدوائر والمؤسسات العامة والخاصة ، كما أن هناك مسؤولية تقع على الشخص الموظف أو الراغب بالوظيفة ليكون مبادرا ويسعى الى تطوير كفاياته لتتوائم مع الوظيفة التي يطمح بها.

فهم وتحديد الكفايات يمكن الدوائر والمؤسسات من دعم تخطيط التعاقب الوظيفي، من خلال تحديد الأشخاص المؤهلين لتولي المناصب القيادية مستقبلاً بناءً على الكفايات الجوهرية، فالأصل أن قيادات المؤسسات تخرج من رحمها، كما هو الحال في المؤسسات العسكرية والأمنية التي تفوقت في التخطيط لمواردها البشرية، وهذا تحدي للإدارة العامة؛ عليها الإستجابة له في الزمن المخصص لتنفيذ خطة التحديث؛ لتعزيز المرونة المؤسسية؛ من خلال فهم الكفايات، لتحقيق تقدم ملموس في إعادة توزيع الأدوار أو تطوير الأفراد للتكيف مع التغيرات التنظيمية أو التكنولوجية.

استخدام الكفايات في تخطيط الموارد البشرية، يُعد تحولًا نوعيًا نحو بناء مؤسسات أكثر ذكاءً ومرونة. فهو لا يركز فقط على "من يعمل" و"كم عددهم"، بل على "ما الذي يستطيعون فعله" و"كيف يمكن تطويرهم". وهو ما يجعل المؤسسات أكثر قدرة على المنافسة والتكيف والنمو المستدام، ويحقق العديد من الفوائد ؛ منها رفع جودة القرارات الاستراتيجية المتعلقة بالموارد البشرية، وتحقيق التوافق بين الأهداف التنظيمية وأداء الأفراد إضافة إلى تحسين إنتاجية وكفاءة القوى العاملة، وهذا ينعكس أثره على رضا الموظفين من خلال وضوح المسارات المهنية، ومتلقي الخدمة من خلال رفع مستوى جودة الخدمات المقدمة.

وفي الختام، لابد للمؤسسات العامة والخاصة؛ أن تعمل على تعزيز دور الكفايات في تخطيط مواردها البشرية ، من خلال بناء أو تطوير نموذج كفايات مؤسسي متكامل يشمل جميع الوظائف، و إشراك الإدارات في تحليل الكفايات لضمان الدقة؛ وكذلك ربط الكفايات بمراحل التوظيف والتدريب والتقييم استخدام أنظمة إدارة الموارد البشرية القائمة على الكفايات.

* أمين عام وزارة تطوير القطاع العام ومدير عام معهد الإدارة العامة سابقا