facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




" نداء لحماية الرئة الخضراء "


المهندس سالم الخصاونة
20-05-2025 04:05 PM

تمتلك المملكة الأردنية الهاشمية إرثًا طبيعيًا نفيسًا يتمثل في غاباتها الممتدة في ربوع الشمال والوسط لا سيما في محافظات عجلون وجرش والسلط والكرك. هذه الغابات رغم محدودية مساحتها التي لا تتجاوز 1% من مساحة المملكة تمثل كنزًا بيئيًا لا يُقدّر بثمن فهي تشكل التوازن المناخي وتثبت التربة وتُسهم في تعزيز التنوع الحيوي وتُضفي على المشهد الطبيعي جمالًا وهيبة. إلا أن هذا الكنز يتعرض منذ سنوات لاعتداءات ممنهجة وسلوكيات مستهترة من بعض العابثين الذين لا يدركون عواقب أفعالهم ولا يبالون بأهمية الغابات في منظومة الأمن البيئي الوطني. فقد باتت مشاهد القطع الجائر للأشجار والاعتداء على أراضٍ حرجية بالبناء والرعي الجائر وحرق الأعشاب لإقامة مشروعات أو زراعة شخصية مشاهد مألوفة تفتك يومًا بعد يوم بما تبقى من رئة الوطن الخضراء. الأخطر من ذلك أن بعض هذه الأفعال تتم عن قصد وتخطيط بهدف تغيير صفة الأرض أو تسهيل التعدي عليها مستقبلاً في ظل غياب الرادع الفعّال أو بسبب ضعف تطبيق القانون على المعتدين، مما يشجع آخرين على ارتكاب جرائم مماثلة.

يقف الطوافون وهم العاملون في حماية الغابات في وجه هذه الهجمة الشرسة بجهود بطولية رغم ما يعانونه من نقص في العدد والعدة. فهم يعملون في ظروف صعبة تغيب فيها الحوافز والدعم الكافي ومع ذلك فإنهم يبذلون ما بوسعهم لحماية هذه الغابات الممتدة على مساحات شاسعة تفوق قدرتهم الفعلية على المتابعة اليومية. ومع ذلك فإن هؤلاء الطوافين يتعرضون في كثير من الأحيان لاتهامات باطلة من قبل بعض المواطنين بل وحتى من بعض المسؤولين الذين لا يدركون حجم الصعوبات والتحديات التي تواجههم في الميدان ولا يعرفون مشقة عملهم ولا تضحياتهم المتواصلة في سبيل حماية ما تبقى من الغطاء الأخضر في هذا الوطن. فبدلاً من دعمهم ورفع معنوياتهم يجدون أنفسهم عرضة للتشكيك والتقليل من شأنهم وهو أمر يجب أن يتوقف عبر توعية الرأي العام وإنصافهم إداريًا ومهنيًا وتكريم المخلصين منهم بدلًا من تحميلهم أعباء إضافية فوق ما يتحملونه.

ورغم ضيق الإمكانيات وشُح الموارد تبذل مديرية الحراج في وزارة الزراعة جهودًا كبيرة للحفاظ على ما تبقى من الغابات من خلال تنفيذ حملات توعية وضبط المخالفات ومتابعة التعديات والتنسيق مع الجهات الأمنية والدفاع المدني لمكافحة الحرائق. كما تعمل المديرية بإمكانات محدودة على تنفيذ مشاريع إعادة التحريج في بعض المناطق المتدهورة وتدريب الكوادر الميدانية على أساليب حماية الغابات الحديثة. ويُسجل للقائمين على هذه المديرية إخلاصهم وتفانيهم في أداء مهامهم رغم التحديات اليومية وهو ما يستدعي دعماً أكبر من الدولة سواء على صعيد الميزانية أو التجهيزات أو التعيينات الفنية اللازمة.

ولا يتوقف الأمر عند الطوافين والمديرية بل يتطلب الأمر تعيين مهندسين متخصصين في مجال الغابات والمراعي ممن يمتلكون المعرفة العلمية والعملية بإدارة الموارد الطبيعية وإعداد الخطط المستدامة وتنفيذ برامج لإعادة التشجير ومكافحة التصحر. إن غياب الكوادر المؤهلة في هذا المجال ينعكس سلبًا على الجهود الوطنية المبذولة، ويجعل من الصعب تحقيق أي استراتيجية طويلة الأمد لحماية الغابات أو تنميتها.

وفي هذا السياق لا بد من التذكير بأن لدى الدولة رصيدًا من الكفاءات والخبرات التي لا ينبغي تجاهلها أو إهمالها، والمقصود هنا المتقاعدون من قطاع الحراج والمراعي الذين يملكون خبرات ميدانية متراكمة ومعرفة دقيقة بتضاريس الغابات واحتياجاتها وآليات حمايتها. إن الاستفادة من هؤلاء المتقاعدين عبر شراء خدماتهم وإشراكهم في خطط الحماية والمراقبة والتدريب يُعد خطوة عملية لإعادة الاعتبار لهذا القطاع العام والحيوي كما أنه يسد جزءًا من النقص الحاد في الكوادر ويُسهم في نقل المعرفة إلى الأجيال الجديدة من العاملين في هذا المجال.

ومن التحديات الكبرى التي تواجه الغابات الأردنية أيضًا حرائق الصيف المتكررة والتي تلتهم في ساعات معدودة مئات الدونمات من الأشجار المعمرة والنادرة وتخلّف خسائر بيئية كبيرة تحتاج لعقود لتعويضها. في كثير من الحالات تكون هذه الحرائق مفتعلة أو ناتجة عن إهمال بشري مثل رمي أعقاب السجائر أو إشعال نار لأغراض الطهي في مناطق حساسة. وهنا لا بد من توسيع نطاق الرقابة وتفعيل أدوات الرصد المبكر وتثقيف المجتمع المحلي بأهمية التصرف المسؤول في المناطق الحرجية.

ولا يمكن إغفال أهمية تفعيل السياحة الحراجية والعمل على إقامة مشاريع جاذبة للسياح تستثمر جمال الغابات ومقوماتها الطبيعية الفريدة بما يضعها على خريطة السياحة الأردنية ويسهم في توفير فرص عمل جديدة وتحفيز التنمية المستدامة في المناطق الريفية والحرجية. إن تحويل الغابات إلى وجهة سياحية بيئية يساهم في زيادة الوعي بأهميتها ويشجع المجتمعات المحلية على المشاركة في حمايتها ورعايتها.

وفي هذا الإطار تبرز الحاجة إلى تعديل قانون الزراعة بشكل يحقق التوازن بين حماية الغابات وتحفيز الاستثمار المسؤول في هذا المورد الحيوي من خلال فتح المجال أمام القطاع الخاص وأصحاب رؤوس الأموال لإقامة مشاريع بيئية وسياحية وتنموية مدروسة تُراعي الضوابط البيئية وتُدار بشراكات مع المجتمع المحلي وتحت إشراف الجهات المختصة ما يعزز من فرص الاستدامة ويخلق بيئة استثمارية آمنة ومحفزة.

ولضمان عدم إفلات المعتدين من العقاب ينبغي تحميل المجتمع المحلي مسؤولية أي اعتداء مجهول المصدر ضمن نطاقه ما يحفّز الجميع على التعاون في حماية الغابات والحرص على التبليغ عن أي مخالفات أو تجاوزات.

كما يُقترح تفعيل صندوق فلس الغابات ليكون أداة تمويل وطنية لدعم مشاريع التحريج والحماية والتأهيل، على أن يتم رفده من الغرامات البيئية ورسوم الاستثمار في المناطق الحرجية بما يضمن ديمومة موارده واستقلالية تمويله.

إن ما تواجهه غابات الأردن اليوم ليس مجرد تحدٍّ بيئي بل هو معركة مصيرية للحفاظ على روح الوطن وسلامة بيئته ومناخه وتنوعه الطبيعي.

إذا لم يتحرك الجميع—حكومة ومجتمعًا—وبشكل حازم وسريع فإننا سنفقد ما لا يمكن تعويضه وسنترك لأبنائنا وطنًا أقل خضرة وأكثر هشاشة في مواجهة التغير المناخي والتصحر والعواصف الترابية.

إن الغابات ليست ترفًا بل هي جزء من أمننا الوطني وجزء من ثقافتنا وهويتنا وتاريخنا ومن واجبنا جميعًا أن ننهض لحمايتها بكل ما أوتينا من وعي وإرادة وأدوات.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :