حرائق تلتهم معالم العاصمة وتسقط أكثر من 20 ألف قتيل في 1871
21-05-2025 11:21 AM
عمون- شهدت العاصمة الفرنسية باريس خلال الأسبوع الأخير من شهر أيار/مايو عام 1871 واحدة من أكثر فصولها دموية ودماراً في التاريخ الحديث، في خضم ما عرف بـ"كومونة باريس"، حيث اندلعت أعمال عنف واضطرابات انتهت بسقوط أكثر من 20 ألف قتيل ودمار واسع طال أبرز معالم المدينة، من بينها قصر التويلري وقصر بلدية باريس اللذان احترقا بالكامل.
جاءت هذه الأحداث في أعقاب الهزيمة الفرنسية في الحرب الفرنسية البروسية (1870–1871) وأسر الإمبراطور نابليون الثالث، ما أدى إلى سقوط الإمبراطورية الفرنسية الثانية وبروز حركات تمرد في عدد من المدن الفرنسية رفضاً لحكومة المجلس التأسيسي الجديد. وظهرت الكومونات في مرسيليا وليون، إلا أن كومونة باريس كانت الأكثر عنفاً.
منذ إعلان الكومونة في 18 آذار/مارس 1871، أقدم المتمردون في باريس على إشعال حرائق في عدد من المواقع، سواء لحماية مواقعهم من تقدم الجيش الفرنسي أو بدافع الانتقام من منازل وشركات يُعتقد أنها على صلة بخصومهم السياسيين. وقد تصاعدت وتيرة الحرائق بشكل كبير خلال ما سُمي بـ"الأسبوع الدامي"، بين 21 و28 أيار/مايو من العام ذاته، بالتزامن مع دخول قوات فرساي (الجيش الفرنسي النظامي) المدينة لاستعادة السيطرة عليها.
خلال هذه المواجهات، اندلع حريق ضخم في وزارة المالية قرب شارع ريفولي مساء 22 أيار، بعد قصف مدفعي عنيف. وفي اليوم التالي، طالت النيران قصر أورساي، وقصر جوقة الشرف، وقصر التويلري الذي كان يُعد أحد الرموز المعمارية للإرث الملكي الفرنسي، حيث بدأ بناؤه في القرن السادس عشر. كما امتدت ألسنة اللهب إلى أجزاء من متحف اللوفر، الذي بُني في الأصل كقلعة في أواخر القرن الثاني عشر.
الحرائق لم تتوقف عند ذلك الحد، إذ لجأ المتمردون إلى إشعال النيران في عدد من الأحياء لإعاقة تقدم قوات الجيش عبر سحب دخانية كثيفة. وتعرض شارع ليل وعدد من الشوارع المحورية في قلب العاصمة لدمار واسع. وبين 24 و26 أيار، اندلعت النيران في قصر بلدية باريس (الذي شُيد بين القرنين الرابع عشر والخامس عشر)، إضافة إلى قصر العدالة، قصر لا سيتيه، مقر الشرطة، مسرح لابورت سان مارتان، والمسرح الغنائي.
كما شملت أعمال التخريب والحرق حدائق لكسمبورغ وعدداً من الشوارع التاريخية، من بينها شارع بوندي، شارع سانت هونوريه، الشارع الملكي، ونهج لامادولين. ووفقاً لشهادات من تلك الفترة، كانت سماء باريس تتوهج ليلاً من شدة النيران، فيما غطى الدخان معظم الأفق، مع ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة، التي تجاوزت 25 درجة مئوية، حسب بيانات المرصد الفلكي في باريس آنذاك.
وعقب قمع الكومونة واستعادة الجيش السيطرة على باريس، تمت محاكمة عدد من قادة التمرد بتهمة التسبب في هذه الحرائق. من بين الأسماء التي وردت في الوثائق الرسمية: فيكتور بينو، لويس ديكامب، وإيميل غوا.
وتبقى أحداث الأسبوع الدامي عام 1871 واحدة من أكثر الفصول مأساوية في تاريخ باريس الحديث، بما خلفته من خسائر بشرية هائلة ودمار واسع طال البنية المعمارية والثقافية للعاصمة الفرنسية.
العربية