أمةٌ على حافة النور .. تقبض على جمر البدايات
أ. د. هاني الضمور
24-05-2025 11:58 AM
هل سمعتم عن أمةٍ تنام على أنين التاريخ، وتستيقظ كل صباح لتعدّ مآتم الأمس؟
أمة تعيش في ظل أغنية قديمة، وتُشيّد حاضرها من فتات ذاكرة مثقوبة؟
نعم… هذه أمتنا، التي ما زالت تجلس على قارعة التاريخ، تشاهد موكب المجد يمرّ، وتكتفي بالتصفيق من بعيد.
كنا شعلة لا تنطفئ، حضارةً تتكئ الأمم على كتفيها، وفكرةً إذا نطقت أنصت العالم.
أما اليوم، فقد أصبحنا طيفًا باهتًا، نتوارى في الظل، نلوذ بشعارات الماضي، ونخشى مواجهة السؤال: ماذا عن الآن؟
كلما أشرق حلم، امتدت الأيدي لتخمده، لا بدافع الخوف، بل باسم الوفاء لما مضى.
وكلما أراد أحدهم أن يزرع بذرة جديدة، علت الصيحات: “دع الأرض للماضي، فقد أنبتت خيرًا ذات زمن!”
أصبحنا نتقاتل على وهمٍ لم يُصنع بعد، نُضحي بالعقل في سبيل كرسي، ونعبد منصبًا لا يصنع قيمة.
كأننا بتنا عُشّاقًا للركام، نبكي المدن المهدّمة، ونغني للرايات التي لم نرفعها بأيدينا.
لكن، على الرغم من ظلمة المشهد، فإن النور ما زال ممكنًا.
وإن كانت فئة قليلة قد تصدرت المشهد، فإن الخير لا يزال في هذه الأمة… باقٍ فيها ما بقي الليل والنهار، حتى يوم الدين.
فيا أمةً تحرس رمادها:
إن النار لا تولد من دموع الندم، بل من شرارة الإصرار.
والمجد لا يعود لأنه كان، بل لأن من يأتون من بعده أبنوه من جديد.
كفى تعلقًا بأطلالٍ لم نبنها، كفى غناءً لثورات لم نكملها.
نحتاج الآن أن نمتلك الجرأة للسؤال الصعب: من نكون؟ وماذا نريد أن نكون؟
لم يعد يكفينا أن نروي سيرة من سبقونا… بل لنجعل منّا سيرة تُروى.
فلنخلع رداء التباكي، ولنرتدِ عباءة الفعل.
ازرعوا القمح بدل اللهاث خلف كعكة لا تُخبَز.
ابنوا جسرًا بدل السكاكين المرفوعة.
وأوقدوا في العتمة شمعة الأمل، فالنور لا يحتاج كثرة… بل صدقًا.
إن الأمة التي تحيي جذوة الفكرة، وتؤمن بأن العمل عبادة، لا تموت.
قد تمرض، قد تتعثر، لكن فيها من يحمل الرسالة… وإن قلّوا.
وفيها من يضيء الطريق… وإن تكاثر الظلام.
وما تزال هناك قلوب تحب الحياة، وعقول تفكر بحرية، وأيدٍ تبني بصمت.
فلا تيأسوا، فبقايا الجمر قد تُشعل فجرًا…
وما من أمةٍ صدقت مع نفسها، إلا وكتبت فجرها بيديها.