facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الاستقلال الـ79 واستعادة الهوية الوطنية الأردنية


أ.د. خلف الطاهات
26-05-2025 11:55 AM

لم أتسرع في الكتابة عن احتفالات الأردنيين بعيد الاستقلال التاسع والسبعين، ولم أسمح لقلمي أن يسبق وعيي بما جرى في الشوارع والميادين والجامعات والمؤسسات، وعلى منصات التواصل الاجتماعي. آثرت أن أُمهل نفسي بعض الوقت، لأرصد المشهد عن كثب، بعيدًا عن الديباجات الجاهزة، والانطباعات السطحية التي تتكرر كلما حلت علينا مناسبة وطنية. أردتُ أن أكتب عن حدث لا يشبه سواه، وعن لحظة وطنية اتّسمت بفرادة نادرة وصدق عميق.

وبإجماع من تابع المشهد من أهل الصحافة والرأي والسياسة، كانت احتفالات الأردنيين هذه المرة استثنائية بكل المقاييس، كما ونوعا. لم تكن احتفالات عابرة تؤدى كطقس مكرر، بل بدت وكأنها استحضارٌ حيّ للحظة إعلان الاستقلال ذاتها. حماس جماهيري غير مسبوق، وانخراط شعبي واسع، جعل من يوم الاستقلال التاسع والسبعين عيدًا وطنيًا بمعناه الحقيقي، لا مجرد مناسبة على رزنامة الدولة.

سواء كانت هذه الأجواء ثمرة تخطيط مسبق من لجنة عليا أو نابعة من حراك تلقائي عفوي، فإنها نجحت في ملامسة وجدان الأردني، وفي استثارة أعماق شعوره الوطني الأصيل. مشاهد الفرح العفوي، الأطفال المرتدون للثوب الوطني والشماغ، الأعلام التي رفرفت فوق البيوت والمؤسسات، الأغاني الوطنية التي تناقلها الناس بأهازيج فخر وابتهاج، كلها عكست لحظة وطنية ملهمة أعادت للأردني اعتزازه الصريح بهويته، وإيمانه العميق بوطنه وقيادته.

ولعلّ ما ميز احتفالات هذا العام، أن الأردنيين لم يحتفلوا فقط باستقلال دولتهم، بل استعادوا، في العمق، هويتهم الوطنية التي كادت تُضيعها بعض الخطابات المسمومة، والتي أرادت، عن قصد أو جهل، أن تفكك هذا الانتماء الراسخ، وتحوّله إلى شعور باهت بلا جذور. شعر الأردني، في لحظة الاحتفال، وكأنه يسترد ذاته وهويته من بين أنياب محاولات التغريب والتيئيس، ومن أفواه من ظلوا يراهنون على طمس رموزه وتشويش انتمائه، باسم الشعارات الزائفة التي لا ترى في الوطن سوى ساحة مؤقتة لتصفية الحسابات.

لقد أماطت مؤسسات الدولة الوطنية، الأمنية منها والإعلامية والثقافية، اللثام عن الكثير من المخططات والوجوه التي حاولت العبث بالنسيج الوطني، فصار الأردني يرى المشهد بعيونه، لا عبر عدسات الآخرين. وهو حين يحتفل اليوم، يحتفل بوعيه أولًا، ثم باستقلاله. يحتفل بما أنجزه وطنه من كرامة واستقرار، في محيط مضطرب وساخن، ويعتز بقيادته التي ثبتت سفينة الأردن وسط أمواج الإقليم العاتية.

لم يعد الأردني، في ظل هذا الوعي الوطني المتقد، يُعير انتباهًا لمن يحاول أن ينكر عليه حقه المشروع في الاحتفال بمنجزات وطنه، وقيادته، وتاريخ تضحيات آبائه وأجداده. فذاك الصوت النشاز، الذي يُشكك في أحقية الفرح الوطني، بات مكشوف النوايا، محدود التأثير. الأردني اليوم، أكثر وعيًا وإدراكًا، لم يعد ينخدع بخطاب التشويش أو التثبيط، بل يرى بوضوح أن من يُنكر عليه الفرح بهويته، نراه – جهارًا نهارًا – يُجزل الولاء لغير هذا الوطن، ويمنح عواطفه وميوله لجهات خارجية لا تُخفي خصومتها للأردن، بل تعاديه أحيانًا علنًا، دون وجلٍ أو حياء.

إن ازدواجية الموقف تلك لم تعد تنطلي على الأردني، الذي اختار أن يعبّر عن انتمائه بلا خجل، ويفتخر بهويته بلا تردد، ويحتفل بعيد استقلال بلاده بثقة العارف بقيمة ما يملك، وبقوة من يعي حجم الاستهداف الذي واجهه وطنه، فصمد، وبقي، وارتقى.

أفرحوا يا أردنيين، وانبسطوا كما لم تفعلوا من قبل، جعل لا أحد غيركم يفرح مثلكم. أنتم أهل الفرح الحق، وأبناء الاستقلال الأصيل، لا يمنّ عليكم أحد بانتماء، ولا يُملي عليكم أحد كيف ومتى تفرحون. ارفعوا رايتكم، واهتفوا لوطنكم، وتغنّوا بقيادتكم، فأنتم الذين تستحقون الفرح عن جدارة، لأنكم لم ترثوا الوطن، بل صُنتموه بوعيكم، وذدتم عنه بكرامتكم، وصبرتم معه في المحن حتى اشتدّ عوده. وعسى ايامكم دوم اعياد يالاردنية.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :