في لحظةٍ ما، قد تبكينا أغنية. لحنٌ بسيط، صوتٌ حنون كلمات دافئة، أو ذكرى غافلتنا في منتصف الزحام. وفي المقابل، قد يمرّ بها أحدهم ببرود، كأن لا شيء يُستدعى من داخله. لماذا نكون عاطفيين؟ ولماذا نختلف في تأثرنا؟ ومتى يكون القلب دليلًا، ومتى يجب أن يتقدّم العقل؟
العاطفة ليست زينة ترفٍ نعلّقها على هامش الحياة، بل جوهر إنساني متجذر في وعينا و لاوعينا، يتجاوز التعبير الفردي ليصير صوتًا جمعيًا حين يحتدم الألم أو يشتد الظلم ، هي ليست حكرا على البشر ، بل حتى الحيوانات بشكل كبير و قد تكون النباتات تملك عاطفة من نوع آخر، لذلك هي فطرة زُرعت في نواتنا كمخلوقات.
لكن العاطفة وحدها لا تكفي ، بل احيانا قد تكون نقمة إن انامت العقل عند اتخاذ القرارات ، إن التفكير العقلاني ضرورة لا يمكن تجاهلها، خاصة حين تتحول العاطفة إلى سيلٍ جارف قد يُضلّنا عن الفعل المؤثر. نحتاج العقل لنفهم السياق، لنُخطط، لنُقيم المواقف بحكمة، ولنتجنب الوقوع في فخ الخطابات المتطرفة أو الأفعال الانفعالية التي قد تضر أكثر مما تنفع.
فهل نختار بين القلب والعقل؟
لا، بل نحن مدعوون إلى موازنتهما. العاطفة تُشعل الفكرة، والعقل يحوّلها إلى مشروع. العاطفة تُقرّبنا من الآخر، والعقل يجعلنا نعرف متى نتكلم، ومتى نصمت، ومتى نتحرك.
العاطفة هي التي تجعل من قضية ما "قضيتنا"، تجعلنا نبكي على طفلٍ لا نعرفه في أرضٍ لم نزرها قط، وتربطنا بشعوبٍ لم نلتقِ بها يومًا. لكنها لا تبرر العمى ولا التخبط. لا بد أن تكون العاطفة مُلهمة، لا مدمّرة.
العاطفة لا تبدأ في سنّ الرشد، بل تُزرع في السنوات الأولى من حياتنا. الطريقة التي نُحمل بها حين نبكي، نظرات الأهل حين نفرح أو نُخطئ، حتى نبرة الصوت في الحديث معنا، تشكّل أساسًا داخليًا لطريقة تفاعلنا مع مشاعرنا لاحقًا.
الطفل الذي ينشأ في بيئة آمنة، حيث يُسمَح له بالتعبير عن مشاعره دون خوف، غالبًا ما يُطوّر قدرة ناضجة على فهم ذاته وعواطفه. أما الطفل الذي يُقابل بالبُعد أو الإهمال أو النقد العاطفي، فقد يحمل في داخله ارتباكًا طويل الأمد تجاه الحب، الغضب، أو الحزن. بمرور الوقت، يتحوّل هذا التشكيل العاطفي إلى نمط تفاعلي، ينعكس في علاقاتنا، واختياراتنا، وحتى في كيفية تفسيرنا للعالم من حولنا.
لذلك، حين نكبر ونجد أنفسنا نبالغ في التعلّق، أو نتهرب من القرب، فإن الرجوع إلى الطفولة ليس ترفًا نفسيًا، بل مفتاح لفهم أعمق لما نشعر به اليوم.