الإنتظار المرير .. هل هو قدر الأردن أم خيار.
د. هاني العدوان
01-06-2025 07:25 PM
الأردن، هذا الوطن العريق بتاريخه السامق وشعبه النبيل الذي يفيض جودا وكرم ضيافة، نشامى بكل ما تحمله الكلمة من معان سامية، يستحق ان يتبوأ أرفع المراتب بين الدول استقراراً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، انه أهل لأكثر من ذلك لمواقفه الثابتة ومبادئه الراسخة تجاه أشقائه العرب وأمته الإسلامية والإنسانية جمعاء.
يستحق هذا الحمى أن يتحرر من معاناته التي غدت متلازمة مزمنة يراها البعض مستعصية الشفاء، بينما يستسيغها آخرون في ركود ينهش جسد الوطن ويؤلم كل غيور عليه
وفي هذا المضمار، لابد من تسليط الضوء على تلك المتلازمة التي باتت مدركة ويعيشها الوطن وأهله، إنها "متلازمة الإنتظار المرير"، ليست هذه العلة مرضا عضويا، بل هي حالة من الجمود المطبق والتسويف المزمن والتأجيل المستمر، تلقي بظلالها الكثيفة على مفاصل الحياة وتكبل مسيرة التقدم والتطور المنشود.
تتعدد مظاهر هذه المتلازمة وتتجلى في صور مؤلمة، فالاقتصاد الأردني، رغم الخطط الطموحة والرؤى الاقتصادية المتتالية، لا يزال يتخبط في بطء شديد في النمو وتتفاقم معه معدلات البطالة خاصة بين شريحة الشباب، هنا بالذات تبرز متلازمة الإنتظار في بطء الإجراءات الخانقة وتغليب الروتين القاتل على روح المبادرة والابتكار، إذ يجد المستثمر أردنياً كان أم اجنبيا نفسه أسيراً لدوامة لا متناهية من الإنتظار وتعقيد الإجراءات وتشتيت الجهد والوقت جراء تعدد الجهات المعنية، مما يفت في عضده ويثبط عزائمه ويحد من تدفق الاستثمارات الحيوية اللازمة لخلق فرص عمل حقيقية تنهض بالوطن.
وليس ببعيد عن هذا المشهد، تتجلى آثار المتلازمة في العلاقة بين التعليم وسوق العمل، حيث تتسع الفجوة بينهما بلا هوادة وكأنها جرح غائر في جسد الوطن، فبينما يفاخر الأردن بمستوى تعليمي رفيع، يفرض واقع سوق العمل تحدياً ضخما يلقي بظلاله القاتمة على خريجي الجامعات الذين يصطدمون بأبواب موصدة أو يجدون أنفسهم أمام فرص عمل لا تتناسب مع مؤهلاتهم العلمية.
هنا تتمظهر متلازمة الإنتظار المرير في عدم قدرة الأنظمة التعليمية على المواءمة السريعة مع احتياجات سوق العمل المتغيرة، فهي بطيئة في التكيف مع التطورات العالمية المتسارعة، مما يخلق جيلا من الشباب ينتظر فرصا قد لا تبصر النور أبدا أو يضطر للانخراط في مجالات لا تتوافق مع طموحاته وتطلعاته.
أما في مسار الإصلاح السياسي والإداري، فتبدو الخطى متعثرة ومترددة وكأن متلازمة الإنتظار المرير قد ضربت حتى صميم عملية اتخاذ القرار، لطالما كان الإصلاح الإداري والإصلاح السياسي مطلباً شعبياً اساسيا، وقد توالت الرسائل الملكية وتوجيهات الملك المستمرة للحكومات بضرورة التحديث والتطوير، وشهدنا تشكيل لجان مثل لجنة التحديث السياسي، ورغم ذلك، لم نشهد أي تطور أو تقدم ملموس، بل على العكس، زادت الإجراءات التي تخنق الناس، مثل تفعيل قانون الجرائم الإلكترونية وقانون السير الجبائي، بالتزامن مع إرتفاع مطرد في الأسعار.
الناس لا يرون أي أمل في الحكومات أو في أي مسؤول، لأن الحال مكرر ومرحل من حكومة سابقة إلى حكومة لاحقة، والمشكلة تكمن في تدوير نفس أسماء المسؤولين، هنا تكمن المعضلة، إذ من غير المنطق والممكن أن يكونوا أدوات إصلاح جديد.
وفي سياق هذه المتلازمة، لا يمكننا إغفال مشهد الإنتخابات النيابية الذي بات هو الآخر يعاني من جمود مستحكم، فالممارسات المتبعة لم تتطور والأسلوب لم يتبدل وكأننا ندور في حلقة مفرغة، فما أن يغادر أصحاب المعالي مناصبهم الوزارية حتى يسارعوا إلى تأسيس الأحزاب السياسية أو الترشح للإنتخابات النيابية في مشهد بات مألوفا لتدوير الأسماء والوجوه ذاتها، يضاف إلى ذلك المال السياسي أو ما يمكن تسميته بالمال الأسود الذي يلقي بظلاله على العملية الإنتخابية لتكون المخرجات في نهاية المطاف أسماء مكررة لا تمت بصلة حقيقية لهموم الشعب وتطلعاته ولا تقاسيه من ضيق العيش ولا يهمها سوى الوجود على الساحة، يتقلبون بين "معالي" و"سعادة" في انفصال صارخ عن نبض الشارع.
وتتفاقم هذه المتلازمة لتلقي بظلالها على واقع معيشي مرير، حيث تتسع رقعة الفقر وتتفشى في ظل تدني الرواتب التي لا تكاد تسد رمق العيش وفي غياب مصادر دخل مستقرة لكثير من الأسر والعائلات الأردنية، مما يدفع شرائح واسعة من المجتمع إلى حافة الهشاشة والعوز.
ويكتمل المشهد بمتلازمة أخرى لا تقل إيلاما، وهي غياب الغطاء الصحي، حيث تفتقر شريحة كبيرة جداً من الأردنيين إلى التأمين الصحي ولا تملك الإمكانيات المادية للمعالجة في القطاع الصحي الخاص الذي باتت كلف العلاج فيه باهظة، ليصبح الحق في العلاج رفاهية لا يطالها الا القلة.
تتجاوز هذه المتلازمة الجوانب المؤسسية لتتسلل إلى ثقافة المجتمع نفسه، فالمواطن ينتظر الحلول من الحكومة، والمؤسسات ترقب التوجيهات، والشباب يترقبون فرصا قد تأتيهم من "الخارج"، هذه الثقافة المتجذرة في الإنتظار السلبي تخنق روح المبادرة الفردية والجماعية وتقيد الإبداع وتصرف الأنظار عن البحث عن حلول ذاتية تنبع من صميم المجتمع.
الأردن يزخر بطاقات بشرية هائلة وموارد طبيعية متنوعة، بيد أنها تفتقر إلى بيئة محفزة للعمل والإنجاز أملنا كبير بتدخل صاحب الجلالة قائد المسيرة، فهو الملاذ والأمل، فنشامى وطنه الأبي المحبين لا يرون أملا من الخلاص من هذه المتلازمة إلا بتدخل جلالته المباشر والحاسم، ينهي هذا الوجع الذي ينهش في جسد الوطن ويعيد إليه عافيته وقدرته على الإنطلاق نحو المستقبل الذي يطمح له جلالته ويليق بالنشامى، أبنائه الأوفياء.