المعايير الدولية لمكافحة الفساد أنبثقت من التشريعات الناظمة للاستثمار في الأردن
المحامي علاء أبو سويلم
02-06-2025 10:31 AM
اولاً -وقبل كل شيء - ينبغي علينا لفت الأنتباه إلى أن أفة الفساد من الأفات المتفشية في مختلف دول العالم - دون أستثناء - وهذه الأفة على أختلاف أنواعها و أشكالها هي نتاج تفكك منظومة بعض القيم الجوهرية للمجتمع الإنساني ، والتي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر إلى تباطؤ معدلات النمو في أقتصاديات الدول التي تستشري بها هذه الأفة الفتاكة، وإنما أكثر من ذلك فقد يصل إلى الأمر إلى مرحلة أنهيار نظامها السياسي بالكامل ، وهذا هو ما حدث فعلاً في عدد من الدول المجاورة في الإقليم.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن ظاهرة الفساد في الأردن وبفضل توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني إلى الحكومات المتعاقبة ، والتي دأب منذ توليه سلطاته الدستورية كانت على نطاق ضيق للغاية وكان يتم السيطرة عليها من قبل السلطات المختصة أولاً بأول ، وفي مقدمتها بفضل رقابة هيئة النزاهة ومكافحة الفساد- والتي تم إنشاءها بقانون خاص بتوجيهات ملكية سامية للقضاء على هذه الظاهرة وأجتثاثها من جذورها، وقد اثبتت الهيئة ومنذ تأسيسها على قدرتها الفائقة على كشف التجاوزات والمخالفات - حال حدوثها من بعض الأفراد الذين يعملون في مؤسسات القطاع العام أو الخاص- على حد سواء - ولعلنا لا نجانب الصواب إذا ما قلنا أن الأردن نموذج يحتذى به على مستوى العالم أجمع في مجال سن التشريعات والقوانين الصارمة لردع كل من تسول له نفسه الخروج عن القانون أو تجاوزه - ومحاسبته كائناً من كان - وتشير قرارات الأحكام القضائية الصادرة بحق جميع الذين خرجوا عن القانون - وهم قلة قليلة- عن أستعادة كافة الأموال التي تم كسبها بطريقة غير مشروعه إلى خزينة الدولة على مدى قدرة الحكومة الأردنية على السيطرة على ظاهرة الفساد ، والتقليل قدر الأستطاعة من أثاره السلبية على الاقتصاد الوطني والأمن المجتمعي.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن مكافحة الفساد وعدم تفشيه في مؤسسات الدولة أولوية رئيسة من أولويات أجندتنا الوطنية، وهذا الأمر عائد بالدرجة الأولى للرؤية الملكية الاستقرائية القويمة لملامح المستقبل المنشود للأردن ، والتي قد أستشعرت منذ البداية أن الفساد كظاهرة إن وجدت داخل الدولة فهي تعمل على أضعاف قدرة الدولة في تلبية الاحتياجات الأساسية لمواطنيها، وزعزعة ثقة المواطن بقدرة مؤسساتهم الوطنية ، ناهيك عن أضعاف فرصة الأردن في جذب الاستثمارات العربية أو الأجنبية، والتي هي عصب الاقتصاد الوطني.
وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن الأردن قد عمل خلال السنوات الفائتة على توفير البيئة السياسية الحاضنة والقانونية الملائمة، وذلك للحد من انتشار هذه الآفة الخطيرة ، ولتوفير هذه البيئة هناك عدة تحديات تواجه المجتمع الأردني للوصول إلى تعزيز مفهوم الشفافية والنزاهة في القطاعين العام والخاص، إذ لاحظنا أن الأردن قد عمل خلال السنوات الماضية لإيجاد منظومة قضائية حازمة قادرة على تطبيق القانون و إنقاذه ، وذلك من خلال تأسيس هيئة لتعزيز منظومة النزاهة ومكافحة الفساد ، وأيضاً قد لمسنا وجود شفافية متناهية بالتقنيات الحكومية والتي تتناغم وتنسجم مع اعلام وطني مستقل ومسؤول لا يهادن ولا يتغاضى عن أي فاسد أو شبهه فساد قد تحدث هنا أو هناك ومن هذا المنطلق ما زال يبذل الأردن جهوداً مظنية وحثيثية لمكافحة الفساد- بكافة أشكاله وانواعه - ولذلك قد أصدر المشرع الأردني تحقيقاً لهذه الغاية قانون الاستثمار رقم 30 لسنة 2014 بالإضافة للأنظمة التنفيذية الصادرة بمقتضاه، هذا فضلاً عن إصدار قانون صندوق الإستثمار الأردني رقم 16 لسنة 2016 وغيره الكثير من التشريعات ذات الصلة بمكافحة الفساد والذي تتطور اشكاله وانواعه يوماً بعد يوم.
هذا الأمر بالذات يطرح التساؤل عن مدى مناسبة المعايير الدولية لمكافحة الفساد وتوافقها مع التشريعات الناظمة للاستثمار. في الأردن، وفي مقدمتها إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ، والتي أنبثق عدد كبير من موادها من أحكام هيئة النزاهة ومكافحة الفساد التي شرعها الأردن والذي كان له قصب السبق في تشريعها، وهذا ما يبرهن على قدرة الدولة الأردنية في أن تكون نموذجاً يحتذى به في سن التشريعات والقوانين الناظمة لمكافحة الفساد- وتعزيز استقلالية السلطة القضائية واعطائها الحصانة لتؤدي دورها على الوجه الأمثل- دون تأثير من أي سلطة أخرى.
وهنا ينبغي لفت الأنتباه إلى أن المبادئ الأساسية التي تبعها الأردن في مجال مكافحة الفساد على الصعيد الدولي وبخاصة المادة الخامسة من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي نصت على ضرورة اتخاذ الدول الأعضاء كل ما يلزم من التدابير الوقائية ، وذلك للتحقق من هوية الزبائن مع المؤسسات المالية و ملكيتهم للأموال المودعة في حسابات بنكية ذات القيمة العالية ، ومن ضمنها صور اتخاذ التدابير الوطنية ذات الصلة بغسيل الأموال في المصارف و المؤسسات المالية، و مدى كفايتها لتصدي لجريمة غسيل الأموال ، وأيضا التعامل مع الحسابات البنكية و مصادرة الأموال ذات الصلة بجرائم الاستثمار في حال وجود شبهات فساد إذ نلاحظ أن المقتضى القانوني الدولي في مجال أسترجاع الموجودات والممتلكات الموجودة خارج أو داخل الأردن، وهو الأمر الذي يبرر عقد اتفاقيات موسعة وترتيبات ثنائية أو متعددة الأطراف، وذلك لتعزيز فعالية التعاون الدولي الوثيق ، ومن أهم المعايير الدولية التي يتبعها الأردن في مجال مكافحة الفساد، هو ما ورد ضمن اتفاقية الأمم المتحدة وبخاصة البند السادس والذي يتمثل بفرض التزامات على الدول الأعضاء، وذلك لغايات أستحداث وتطوير برامج خاصة لتدريب موظفيها على مكافحة الفساد، هذا فضلاً عن جمع المعلومات المتعلقة بالفساد وتبادلها وتحليلها ، وهي المعايير ذاتها التي نصت عليها الأتفاقية العربية لمكافحة الفساد في المادتين 31 و32 توالياً، ومن هنا تبرز الحاجة الملحة إلى أهمية الوقوف على أحكام المساعدة التقنية وتبادل المعلومات في التشريعات الوطنية الأردنية ذات الصلة بالاستثمار ، بالتوازي مع القدر الذي تتضمن فيه هذه التشريعات المتعلقة بالفساد في مجال الاستثمار وتحليلها و تبادلها كلما أقتضت الحاجة إلى ذلك.