إدارة الأزمات في الإعلام: بين المسؤولية والتأثير على الرأي العام
لانا ارناؤوط
05-06-2025 08:53 PM
في عالم تسوده التحولات المتسارعة والتقلبات الحادة، أصبحت الأزمات سمة ملازمة للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي. من الجوائح الصحية إلى الكوارث الطبيعية، ومن النزاعات المسلحة إلى الأزمات البيئية والاقتصادية، يتصدّر الإعلام المشهد كوسيط فاعل بين الحدث والجمهور، بل ويشكّل في كثير من الأحيان الوعي العام ويؤطر الاستجابة المجتمعية. وهنا تبرز أهمية إدارة الأزمات في الإعلام بوصفها مزيجًا من المسؤولية المهنية، والدقة في النقل، والقدرة على التأثير وصناعة الرأي العام.
ليس من المبالغة القول إن إدارة الأزمة الإعلامية لا تقل أهمية عن إدارة الأزمة السياسية أو الإنسانية. فالمعلومات المضلّلة أو العناوين المثيرة قد تضاعف من حجم الكارثة، وتفتح الباب أمام الذعر والهلع أو اللامبالاة. أما الإعلام الواعي، المنضبط، والمدرّب على الاستجابة للأزمات، فإنه يتحول إلى ركيزة أساسية في احتواء آثار الأزمة وتوجيه الناس نحو الفعل الإيجابي والفهم الواعي.
الإعلام في الأزمات ليس مرآة فقط، بل هو أيضًا أداة. أداة للتوعية، للتهدئة، للتوجيه، وفي بعض الحالات، للمحاسبة. وفي الوقت الذي تتراجع فيه بعض الحكومات أو المؤسسات الرسمية عن الشفافية، يلعب الإعلام دوره الأخلاقي والوطني في كشف الحقائق وتفسيرها وتبسيطها للرأي العام. ومن هنا تأتي حساسية اللحظة الإعلامية أثناء الأزمة، فكل كلمة، كل صورة، كل خبر، له تداعياته النفسية والاجتماعية والسياسية.
تتطلب إدارة الأزمات في الإعلام طاقمًا مؤهلاً يمتلك الحس الإنساني إلى جانب المهارة المهنية. فالمحرر الذي يختار الكلمات، والمراسل الذي ينقل الصورة، والمذيع الذي يخاطب ملايين الناس في لحظة حرجة، هم جميعًا ليسوا مجرد ناقلي أخبار، بل هم فاعلون في تشكيل المزاج العام، وتحفيز الناس على التصرف، أو على الانتظار، أو حتى على الاحتجاج.
وقد كشفت أزمات كبرى مثل جائحة كوفيد-19، والحروب الممتدة في المنطقة العربية، وحالات اللجوء والنزوح، أن للإعلام دورًا محوريًا في صياغة المشهد. إعلام يُحسن قراءة الأرقام، ولا يكتفي بتكرارها. إعلام يفهم أثر الصورة، ويستخدمها للوعي لا للابتزاز العاطفي. إعلام يدرك الفارق بين أن يكون صوت السلطة، أو أن يكون صوت الناس، أو أن يكون جسرًا بينهما.
كما أن استخدام التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي في دعم الإعلام وقت الأزمات فتح آفاقًا جديدة في تحليل سلوك الجمهور، ورصد الشائعات، وإيصال الرسائل بشكل أسرع وأكثر تخصيصًا. ومع ذلك، تظل القيم الصحفية هي الأساس. فالمهنية، والصدق، والعدل في التغطية، كلها مبادئ لا يغني عنها أي تطور تقني.
لا يمكن الحديث عن إدارة الأزمات إعلاميًا دون الإشارة إلى أهمية التدريب المسبق. فالإعلامي الذي يتلقى تدريبات في محاكاة الأزمات، وفهم سيكولوجيا الجمهور وقت الكارثة، والتصرف في حال تعارض المعلومات، سيكون أكثر قدرة على أداء دوره دون الوقوع في فخ الإثارة أو الانحياز أو الانهيار تحت الضغط.
كذلك، لا بد من التأكيد على أهمية وجود استراتيجية وطنية لإدارة الإعلام أثناء الأزمات، تشمل التنسيق بين المؤسسات، وتحديد المتحدثين الرسميين، وضمان انسيابية المعلومات، ومواجهة الأخبار الكاذبة، وتحقيق التوازن بين الحرية والمسؤولية. فالإعلام لا يعمل في فراغ، وإنما ضمن منظومة متكاملة تحتاج إلى الانسجام والوعي المشترك.
في النهاية، يظل الإعلام في الأزمات مرآة للوعي الجمعي، ومؤشرًا على نضج المجتمعات. وعندما يُحسن الإعلام أداء دوره في الأزمات، فإنه لا يساهم فقط في الحد من آثارها، بل يتحول إلى عنصر من عناصر القوة الناعمة للدولة، يكرّس الثقة، ويبني التضامن، ويعزز مناعة المجتمع تجاه القادم من التحديات.