طبيعة العرب التكوينية و السلوكية ناريّة ، كأنّهم جميعا من برج الاسد أو الحمل أو القوس كما يصفهم من يقرأ الابراج ، لا يحبّون السلام المطلق في العادة ، يميلون نحو المواجهات ، يرون أي اتفاق أو هدنة اعلان لكرامة مسلوبة ، أو هدر للصورة الفحولية الرجولية لأي مسؤول أو قائد ، لذلك في العقل العربي الجمعي يرتبط القائد بالحروب ، و من لم يخض حربا لا يقدّر في قواميسهم.
حتى أولئك القادة الذين جرّوا بلدانهم نحو حروب لا نتيجة واضحة منها أو منتصر ، كانوا حديث الساحة و الكتب و العقول ، فالمهم في أمّة العرب أن تحارب ، تحارب نفسك؟ تحارب عدوّك؟ تحارب ثقافتك و مستقبلك؟ ضع كلمة الحرب في أي فعل و لا تسأل عن النتائج.
إن تناولنا أمثلة لدعم الفكرة ، سنجد مثلا عبدالناصر ، زعيم الانتصارات الوهمية السحابية ، عدو السلام الأول ، لم يدخل حربا إلّا خسرها ، كان طيبا يؤمن بالعروبة و الوحدة على المستوى الشخصي ، لكن كقائد لم يظفر بأي نِزال.
على الضفة المقابلة ، يحتل صدام حسين مكانة عميقة في اللاوعي العربي ، فهو الزعيم الذي قصف اسرائيل بصواريخ لم تحفر شارعا أو توقع كتيبة ، لكنه الزعيم الروحي للعرب ، الذي استلم العراق في وضع و سلمه في وضع سحيق و دين حمله الشعب العراقي على ظهره لعقود .
صدام الغازي الذي احتل وطنا شقيقا و جارًا ، لم يتناوله العرب من مبدأ التعلّم ، أو السعي لتحليل تجربة بشكل واسع لتفادي تكررها ، لكننا كل يوم نحاول خلق هذه الشخصيات من جديد ، و بغباء نرجو نتيجة مغايرة و مختلفة.
إذن نستنتج أننا كعرب نميل لمن يفتعل الحروب ، مهما كانت نتائجها مدمرة و كارثية ، و نذهب لخلق صورة من الخيانة و الجاسوسية لكل رئيس أو ملك أو مسؤول ، يعلن السلام عنوانا للمرحلة ، بحجة فلسطين أو بغيرها نريد حربا و إن كانت على قطعة أرض أو شبر ماء موحل.
الملك حسين أو الشيخ زايد أو السلطان قابوس و غيرهم من الحكام ، كانوا ينظرون لهذه الحروب نظرة التحجيم لا التضخيم ، فهل كان من الصعب على الراحل الحسين خلق جبهة استنزافية مشتعلة مع اسرائيل طوال حكمه؟
هل كان بعيدا على الشيخ زايد خلق عداوات داخلية و خارجية؟ و هل لم يكن السلطان قابوس قادرا على اشعال ثورات عُمان عوضا عن استخدام مبدأ الاحتواء؟
كل زعيم منهم كان قادرا على جعل عدم الاستقرار ، عنوان عريضا لحكمه ، و كلهم مرت بلدانهم بظروف و ثورات و اقتتالات تمت السيطرة عليها بأقل الخسائر...
لكن للأسف من يتبع هذا النهج اليوم يعتبر ضعيفا ، فإن وضعنا غزة كمقياس سنرى ذات السلسلة و ذات النتائج؟
في خضم هذه المعمعة علينا دائما في الأردن ، أن نكون في قمة الفخر ، قمة الامتنان لقائد جنّبنا ويلات الحروب ، لملك يعي قيمة السلام ، و يعرف جيدا من الذي يفتعل الحروب و لصالح من هذه المعارك.
فكل عام و الوطن و قائده بألف خير ، بمناسبة عيد الجلوس الملكيّ.