facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




"لصّ يوم السبت" .. حين يصبح الخطأ أسلوب حياة


أ. د. هاني الضمور
10-06-2025 10:50 AM

لم تعد القصص خيالات تُروى للتسلية، بل أضحت مرايا حادّة، نحدّق فيها طويلاً لنرى وجوهنا خلف السرد، وعيوبنا مختبئة في الشخصيات. وقصة “لصّ يوم السبت” ليست استثناءً من ذلك، بل لعلها إحدى أكثر الحكايات الأدبية التي تقف على الحافة بين الحقيقة والاحتمال، بين الخطأ المغلّف بالحنان، وبين الانهيار الأخلاقي في قوالب ناعمة تروق للذوق الحديث.

أن يدخل لصٌّ إلى بيت امرأة، ويهدّدها بالسلاح، ثم يمكث، ويأكل، ويضحك، ويرقص، وتغفر له لا لشيء إلا لأنه بدا “لطيفًا”… فهذه ليست مجرد فانتازيا أدبية، بل مشهد رمزيّ يُحاكي واقعًا أكثر عمقًا مما نحب أن نعترف به. أوغو، بصفاته المتناقضة، ليس مجرّد شخصية في قصة ماركيزية الطابع، بل هو استعارة لكل من اقتحم حياتنا تحت مسمى الحنان، واخترق مبادئنا بذريعة “الحاجة للدفء”.

وفي الطرف المقابل، “آنا” لم تكن ضحية جريمة مادية فقط، بل ضحية نقصٍ عاطفي ونفسي جعلها تُطبع التعدي، وتُجمل الكسر، وتدعوه أن يتكرر نهاية الأسبوع القادم. وهذه ليست مجرد تفاصيل في قصة، بل سلوك شائع في مجتمعاتنا الحديثة، التي بدأت تقبل تدريجيًا أن تتعايش مع الانحراف الأخلاقي إن جاء مغلّفًا بالحب أو “التفاهم” أو “التعاطف الإنساني”.

كم من “أوغو” يقتحم خصوصياتنا، لا بأسلحة، بل بأجهزة ذكية، بكلمات منمّقة، بملامح مطمئنة. وكم من “آنا” فتحت الباب لا من خوف، بل من حاجة، من ضعف، من افتقاد المعنى، فغضّت الطرف عن التعدّي لأنّه أراحها من وحدتها، أو ملأ الفراغ لساعات.

تسقط القصة على واقعنا كما يسقط الضوء على كسر في زجاج، فينكشف ما وراء اللمعان. في هذا الواقع الذي غابت عنه الكثير من البوصلة القيمية، نرى تطبيعًا مستمرًا مع السلوك الخاطئ إذا ما حمل نكهة إنسانية. فالخيانة تُوصف بأنها “نزوة”، والكذب يُغفر لأنه “مجاملة”، والتعدي على خصوصيات الآخرين يُبرّر بأنه “قرب إنساني”، وكل شيء مباح إذا جاء على نغمة موسيقية تلامس الذاكرة العاطفية.

لكن الحقيقة التي لا يجرؤ كثيرون على مواجهتها، هي أن الخطأ لا يتحوّل إلى صواب لأنه شاع، والمعصية لا تُغتفر لأنها رُويت بلغة شعرية. فالحلال والحرام ليسا خاضعين لذوق المتلقي، ولا لدرجة تعاطفه مع الجاني. الإسلام، وهو الدين الذي نعتزّ به، لا يُلغِي الرحمة، بل يُهذّبها، ويضعها في ميزان العدل. فيُقال للرحيم: “ارحم، لكن لا تظلم”، ويُقال للضعيف: “اخضع لله، لا للهوى”.

في عصر تُقدَّم فيه الأعمال الفنية والأدبية كمرآة لحرية الإنسان الداخلية، يجب أن نكون على وعي: أن الحرية لا تعني أن نعطّل ضمائرنا، أو نُجرّد الأخلاق من سلطانها على الأفعال. ومنطق الإسلام واضح: “النية لا تُبرّر الحرام، والمشاعر لا تُعطل حدود الله، والضعف لا يُجيز الخيانة”.

في كل بيت فيه أب غائب، وزوجة منهكة، وطفل متعطش للضحك، قد يتسلّل “أوغو” من حيث لا ندري. ليس فيزيائيًا، بل في صورة علاقة افتراضية، أو صوت مألوف خلف شاشة، أو فكرة مطمئنة في بودكاست ناعم، تدعونا أن نُخفف من الالتزام، أن نكسر قليلًا من الحدود، لأننا “نستحق لحظة راحة”.

وهكذا، يتحوّل لصّ اللحظة إلى ضيف دائم، وينقلب السارق إلى شريك شعور، وتُطبع الجريمة بسكوت الضحية، بل بتواطؤها حين تدعوه ليعود في الموعد ذاته، كل أسبوع.

القيم لا تنهار فجأة. إنما تُخدَّر أولًا. كما نُوِّمت آنا عن طريق الخطأ، تنام ضمائرنا كلما قلنا “ما المشكلة؟ لقد كان لطيفًا”، “لم يُؤذِ أحدًا”، “كان محتاجًا للحب”. ومع كل تبرير، نفقد جزءًا من الحصن، إلى أن يصبح كل خطأ مقبولًا… ما دام مغلفًا بالعاطفة.

لكننا، نحن الذين نؤمن أن الإنسان ليس مجرد شعور عابر، ولا كائنًا منكسِرًا بلا مرجعية، نعرف أن الكرامة الحقيقية هي في الصمود، في أن نغلق الباب بوجه اللص، مهما كانت ملامحه دافئة. وأن الحرمان لا يبرر السقوط، بل يدعونا لأن نلوذ بالله، لا أن نُسلّم رقابنا لكل من يطرق قلوبنا وهمًا.

نحن لا نُدين المشاعر، لكننا نرفض أن تتجاوز دورها. ونوقن أن الحبّ إذا لم يكن في الحلال، فهو وَهْمٌ مُهين، مهما بدا مشرقًا. وأن الجمال إن لم يُهذّبه الشرع، يُصبح خنجرًا في خاصرة القيم.

“لصّ يوم السبت” ليست قصة نادرة. بل هي نموذج من قصص كثيرة نعيشها ونصمت عنها، لأننا نخشى أن نبدو “قساة” حين نرفض ما هو “لطيف”. لكنها تذكّرنا أن اللصّ قد يكون ساحرًا، لكنه يظل لصًا. وأن الخطأ، مهما زُخرف، لا يُصبح صوابًا… إلا في عيون من اعتادوا خيانة أنفسهم.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :