بعد التأهل التاريخي: بأي صورة نريد ان يرانا العالم؟
أ.د. خلف الطاهات
12-06-2025 12:14 PM
ان الوصول المبكر والمباشر لمنتخبنا الوطني الاردني لتصفيات كاس العالم كان كافيا للفت انتباه شعوب العالم وبوقت قياسي للبحث عبر محركات البحث عن اسم "الاردن"، تواقين جدا لمعرفة ما هو الاردن، اين يقع؟ ما أبرز المعالم والمعلومات عنه؟ ما قصة الاردن، اهو النهر المقدس؟ اهو الدولة الاكثر امنا واستقرارا في اقليم مضطرب؟ هل هو بلد عشائر وقبائل؟ ام هو بلد التنوع الاثني والعرقي والديني وبلد التسامح والتعايش؟ هل هو بلد صحراوي جاف حار عالي الرطوبة؟ ام بلد في ذروة شتاءه تتساقط الثلوج على قمم جبال عمان وعجلون والسلط والشوبك وعلى بعد كيلومترات بسيطة اجواء دافئة حيث شمس الاغوار؟
ماذا يأكل الاردنيون؟ اهو المنسف، ام المكمورة ام المجلله، ام المسخن، ام الجعاجيل والزقاريط ام الراشوف؟ هل نحن متعلمون؟ هل يشغل ابنائنا مواقع عالمية بارزة؟ ماذا عن المبتكرون المبدعون من أبنائنا وبناتنا في الفن والموسيقى والاختراع وبقية العلوم؟ ماذا عن محطاتنا التاريخية في الحرب والسلم؟ انحن دعاة سلام ام نحن دولة مارقة لا تحترم سيادة الدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها؟ ماذا عن قصة الأردن في ملف اللجوء الإنساني؟ وماذا عن مشاركاته في قوات حفظ السلام الدولية؟
ما هو خطابنا الاعلامي الذي نتعاطاه؟ اهل خطاب استعلائي؟ استفزازي؟ عقلاني؟ وازن ومعقول؟ ام خطاب عبثي انقسامي فوضوي يغذي الطائفية ولا يحترم التعددية؟ هل نحن دولة وجدت من العدم؟ ام انها دولة راسخة الجذور ممتدة لها ارثها الحضاري والانساني والتاريخي؟ هل نحن دولة قمعية ديكتاتورية تقتل اجهزة الشرطة والامنية مواطنيها بلا رحمة او شفقة؟ ام بلد إذا غاب مواطن عن بيته ساعات قليلة كل الاردن تفزع لتطمئن على صحته وسلامته وكرامته؟
هل لدى ابناء الاردن قصص نجاح تستحق ان تسوقه عالميا في الاكاديميا والاعلام والاقتصاد والسياحة والتراث والزراعة والتجارة والتكنولوجيا والسياسة والدبلوماسية والقضاء وسيادة القانون، في الفن والطب؟ هذه فقط اسئلة سريعه اثيرت وتثار لدى الاردنيين في جلساتهم الخاصة ونقاشاتهم فور تأهلنا لتصفيات كاس العالم، والسؤال كيف سنرد او نجيب او نقدم محتوى عن الاردن واهلنا الاردنيين للعالم؟؟ هل توجد مصادر كافية على الانترنت لتسويق الاردن رقميا سيما وأننا امام سنة من الان سنلعب مع منتخبات عالمية؟ وسنخوض معترك منافسات مع نجوم كبار بعضهم لديه نجومية وحضور يفوق اسماء دولة لا بل دول لا أحد يعرف عنها اي شي؟ والسؤال الكبير هنا: كيف سيستثمر الاردن وصوله لتصفيات كأس العالم لتسويق الاردن وهويته وسرديته عالميا بأدوات رقمية؟
لقد أثبتت الرياضة، وكرة القدم تحديدًا، أنها أكثر من مجرد تنافس على أرض الملعب؛ إنها لغة الشعوب ومنصة عالمية قادرة على إيصال الرسائل، وبناء الصورة الذهنية للدول، وفتح آفاق اقتصادية وثقافية جديدة. ومع هذا التقدّم التاريخي للمنتخب الأردني، تقف المملكة اليوم أمام فرصة استراتيجية حقيقية لتحويل هذا الإنجاز إلى مشروع وطني شامل يعيد صياغة السردية الرقمية والإعلامية عن الأردن عالميا.
إن تأهل "النشامى" لتصفيات كأس العالم لا يعبّر فقط عن تطور رياضي، بل هو تعبير عن حيوية المجتمع الأردني، وتكامل الجهود بين مؤسسات الدولة والشباب، وبروز الأردن كدولة حديثة وطموحة. لذا فإن تسويق هذا الإنجاز يجب ألا يقتصر على الرياضة والملاعب، بل يمتد ليشمل المحتوى الرقمي، والإعلام الدولي، والصناعات الإبداعية، وكل ما من شأنه أن يُبرز الأردن للعالم بصورة جديدة، متجاوزة الصور النمطية.
ويمكن استثمار هذه الفرصة عبر تسويق الأردن كوجهة سياحية ورياضية، ويمكن الربط بين المنتخب ومعالم الأردن التاريخية والسياحية مثل البتراء، وادي رم، البحر الميت، والعقبة، ام الجمال وجرش، والمغطس، ومادبا، من خلال حملات رقمية تتزامن مع مباريات المنتخب، وتسلّط الضوء على جمال البلاد وثرائها الثقافي. كما ان الحدث يشكّل فرصة لاستقطاب رعاة وشركاء دوليين، وإبراز بيئة الأردن الاستثمارية، خصوصًا في مجالات الرياضة، والتكنولوجيا، واللوجستيات. كما أن الترويج للمنتخب يمكن أن يُرفق برسائل موجهة للمستثمرين حول فرص النمو في المملكة.
وفي السياق ذاته، من المهم إنتاج محتوى بصري وصحفي رقمي بأكثر من لغة، يروي قصة الأردن من خلال لاعبيه، ومجتمعه، وطموحاته. محتوى يخاطب مستخدمي الإنترنت والباحثين عن "الأردن" عبر محركات البحث والمنصات الاجتماعية، ويقدم لهم صورة شاملة لدولة شابة، منفتحة، ورياضية.
والاكيد انه يمكن للحدث أن يوحد الجهود الشعبية والإعلامية، من خلال حملات تفاعلية داخل الأردن وخارجه، بمشاركة المغتربين، والمؤثرين الأردنيين، وأبناء الجاليات العربية والصديقة في العالم، لتضخيم الرسالة الوطنية وتعزيز الروح الجماعية. هذه المهمة اكبر من قدرات وطاقة وامكانيات الاتحاد الاردني لكرة القدم الذي مشكورا ادى ما هو مطلوب منه بكل كفاءة وقناعة، واليوم اصبحت مسؤولية الترويج للمنتخب هي مسؤولية كل الاردن ما عدا الاتحاد، فمن غير المعقول ان يترك الاتحاد مهمته الاساسية في ضمان الاستعدادات الفنية والمهارية والمعنوية والجهوزية القتالية لتمثيل الاردن ليشغل نفسه في مهام كل مؤسسات وهيئات وشركات الاردن الواجب القيام بها من دعم واسناد وتجهيز وترويج افقيا وعموديا.
المطلوب خلال عام من الآن توحيد الرؤية المؤسسية وتشكيل فريق وطني متكامل يضم هيئات ومؤسسات ووزارات معنية منها الخارجية، الاعلام، وزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة، وزارة الاقتصاد الرقمي، وممثلين عن القطاع الإبداعي الفني والشبابي والتقني. ويعمل هذا الفريق على تصميم سردية رقمية موحدة تسوّق للأردن عالميًا باستخدام الزخم الكروي، مع مؤشرات أداء واضحة لقياس التأثير والتفاعل.
لقد أثبت الأردن في أكثر من محطة أنه لا يعرف المستحيل، وأنه مهما بدت التحديات صعبة، فإن الإرادة الوطنية الصادقة، والكفاءات الشابة الأردنية التي أثبتت تميزها عالميًا، قادرة على أن تقدّم الأردن كما يليق به.
ومع وجود أدوات الذكاء الاصطناعي، والتقنيات الرقمية، ووسائل الإعلام العالمية، والأهم من ذلك الانتماء والولاء الحقيقي لهذا الوطن، يمكننا أن نكتب قصة الأردن الجديدة للعالم، ونقدّم سردية تعكس إنجازاته وهويته وقيمه وموقعه المستحق بين الأمم. فهل نشهد قريبا غرفة عمليات وطنية لتسويق الاردن وصورته وسرديته وحضوره رقميا من خلال تأهل المنتخب لتصفيات كاس العالم؟